يُعرِّف الفيزيائيون «الضغط» على أنه تأثير يحدث عند تطبيق قوة ما على سطح محدد، وبطبيعة الحال، فإن قدرة تحمل الضغط تختلف من سطح لآخر، لذلك فإن استمرار تأثير قوة «الضغط» فوق قدرة السطح الاستيعابية من شأنه أن يؤدي إلى انفجار ذلك السطح.

Ad

وإذا كنا نتكلم عن أضرار انفجار محسوس في جسم جامد لا روح فيه، فإن الانفجار النفسي عواقبه أشد ضرراً داخل جسد تسري في عروقه الأحاسيس والمشاعر المختلفة.

وكما أن الأجسام الجامدة دائماً ما يكون لها صمام أمان تُنفِّس من خلاله الضغوط التي تفوق طاقة تحملها، فإن الإنسان هو الآخر يلجأ إلى «تنفيس» شيء من الضغوط النفسية التي تتكالب عليه بوسائل مختلفة كالصراخ أو البكاء أو غيرها من الوسائل.

وتعد بيئات العمل الوظيفية مرتعاً خصباً لتوليد تلك الضغوط، لما تزخر به من اختلاف في الأنماط الشخصية، فليجأ الموظفون عادة خلال ساعات عملهم إلى «تنفيس» تلك الضغوط من خلال بث همومهم لزملائهم أو الاسترخاء برهة من الوقت، أو حتى من خلال التأفف أمام رؤسائهم.

وحدهم موظفو خدمات العملاء يفتقدون كل تلك الوسائل «التنفيسية»، وأخص بالذكر أولئك الذين تأتينا أصواتهم عبر الأثير عندما نشتكي من عطل فني في خدمة «هواتفنا الخليوية» فنلجأ إليهم بالاتصال. هؤلاء مطلوب منهم أن يحتفظوا بالسماعة السلكية ملتصقة بآذانهم، ومطلوب منهم أن يتقلوا شكوى العميل بأسلوب لبق، ومطلوب منهم قبل كل كذلك امتصاص غضب المتصل، وكلها تعليمات من صميم عملهم، ولا عيب فيها على الإطلاق، لكن اتصالات العملاء المارقة عن نطاق الأدب هي العيب بذاته والتي تعكس في الأصل ثقافة الشخص، كما أن العيب كذلك في إدارة تلك الشركات التي تستخدم غالباً موظفي خدمات عملائها كصمام «تنفيس» للمتصلين الذين يشتكون من خدماتها، دون أن توفر لموظفيها حق «تنفيس» الضغوط التي يتعرضون لها.

لك أن تتخيل كيف يكون ولاء هؤلاء الموظفين عندما يرون نواب الشركة التنفيذيين يتقاسمون كعكة أرباحها الضخمة دون أن يبقوا لهم منها فتاتا ولو يسيرا؟! هو حقاً أمر شاق أن تستبعد من تلك القسمة، وأمر أشد قسوة أن تستبعد في نفس الوقت من علاوة سنوية مرتفعة إن وقعت يد الرقيب على تسجيل صوتي لم تخاطب فيه العميل باسمه أكثر من مرة!

بوسعنا- خلال تعاملاتنا مع هذه الشركات- أن نخفف من تلك الضغوط التي يتعرض لها أولئك الموظفون دون أن نتنازل عن مطالبنا وشكاوانا المشروعة، وذلك لن يكون إلا بالكلمة الحسنة والنقاش المؤدب، ويكفي أن نعي أنهم ليسوا أجهزة لصرف النقود نركلها بأقدامنا إن لم يقم المسؤول عليها بملئها بالنقود! فالأجهزة أياً كانت أجساد جامدة لا تؤذيها الإهانة، أما الإنسان فهو جسد مليء بالأحاسيس لا يرضى الإهانة، وإن أجبر على تقبلها، فلن يتقبلها «قولونه العصبي» الذي هو الآخر له طاقة استيعابية محددة!

 

* السعودية- مكة.