تحية كاريوكا (22 فبراير 1915 - 20 سبتمبر 1997) الإسم الأول الذي يتبادر إلى الذهن لدى الحديث عن الرقص الشرقي في القرن العشرين، فإلى جانب ريادتها في هذا المجال احتفظت كاريوكا بكاريزما لافتة وحركات خاصة بها تميزها عن باقي المنافسات، ولم تقترب منها إلا سامية جمال.

اسمها الحقيقي بدوية محمد كريم، إلا أنها غيرته عندما احترفت الرقص في منتصف الثلاثينيات واختارت لها بديعة مصابني اسم تحية. وبعد سنوات أضيف إلى هذا الاسم كاريوكا، بعدما نجحت في أداء الرقصة البرازيلية الشهيرة التي دخلت مصر من خلال تحية، وفي بداية الأربعينيات اتجهت كاريوكا إلى التمثيل ووقفت أمام نجيب الريحاني في فيلم «لعبة الست» الذي صنع نجوميتها.

Ad

سحرت كاريوكا المثقفين والكتاب وما زالت، ويعتبرها المفكر الإيديولوجي إدوارد سعيد «أروع راقصة شرقية على الإطلاق» و{تجسيد لنوع من الإثارة بالغ الخصوصية» ما جعلها «أنعم الراقصات وأبعدهن عن التصريح، ونموذجاً واضحاً للمرأة الفاتنة في السينما المصرية التي يفتك سحرها بالناس».

جمعت المخرجة نبيهة لطفي سعيد بتحية كاريوكا في شقة هذه الأخيرة في الدقي التي شهدت الفصل الأخير من حياتها، كان ذلك أواخر الثمانينيات عندما زار سعيد القاهرة، وأصبحت مقالته عن تحية أشبه بـ «الأيقونة الثقافية» وعلامة لتلاقي الفكر «الرصين» بثقافة الجسد.

ينزع سعيد صفة الابتذال أو الرخص عنها ويقول: «لا تنتمي تحية إلى ثقافة الفتيات الرخيصات أو النساء اللواتي يسهل تعريفهن، بل إلى عالم النساء التقدميات اللواتي يتفادين الحواجز الاجتماعية أو يزلنها».

وتحية كاريوكا، كما يرى سعيد، «أكثر ذكاء وانفتاحاً من أن يحتملها أي رجل في مصر المعاصرة... وتوحي رشاقتها وأناقتها بما هو كلاسيكي تماماً، بل ومهيب...». يضيف: «جوهر فن الرقص العربي التقليدي، شأن مصارعة الثيران، ليس في كثرة حركات الراقصة وإنما في قلّتها، وحدهن المبتدئات أو المقلدات البائسات من يونانيات وأميركيات يواصلن الهز والنط الفظيع والألعاب البهلوانية هنا وهناك أو التلوي على الأرض كالحية أو الانخراط في ستربتيز من نوع ما لأجل «إثارة» وإغراءً، يتمثل الهدف في إحداث أثر عن طريق الإيحاء أساساً». تحية كاريوكا‏ ليست ابداً من هذا النمط لأن سحرها وتألقها يوحيان بفنّ كلاسيكي‏.

يعتبر إدوارد سعيد أن تحية كاريوكا تقف في قلب النهضة المصرية إلى جانب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وأم كثوم وعبد الوهاب ونجيب الريحاني، وهي ظاهرة شرقية لا تقبل الترجمة إلى ثقافات أخرى...‏ وليس من فنان يقارنها في الشهرة خارج العالم العربي سوى أم كلثوم‏.

كذلك كتب عنها المفكر القومي د. جلال أمين فصلاً في كتابه «شخصيات لها تاريخ»، لأنها كانت شخصية محبوبة وماتت عن عمر يناهز الـ 82 عاماً، فحياتها، في رأيه، تلخص حياة مصر في تلك الفترة لأنها تحجبت قبل وفاتها حين انتشر الحجاب في مصر وامتازت بخفة الدم والوطنية.

الغنى والتنوع جعلا من كاريوكا ظاهرة ثقافية ووطنية، لا سيما أنها احترفت الرقص في مرحلة كانت فيها الراقصة تسمى شعبياً «أرتيست» بما ينطوي عليه هذا المفهوم من معان شديدة الابتذال، لكنها حظيت، كأم كلثوم، باحترام الجميع وحبهم.

نحن من الذين يرون تحية كاريوكا كأحسن فنانة في مجال الرقص، وممثلة بارعة شاركت في كمّ من الأفلام فضلاً عن المسرحيات التي قدمتها على مسرحها الخاص الذي أسسته وحمل اسمها من بينها: «روبابيكيا» مع صلاح ذو الفقار، والدراما التلفزيونية من بينها «هو وهي».

من بين أبرز الأفلام السينمائية التي أدت دور البطولة فيها: «لعبة الست» (1946)، «سمارة» (1956)، «شباب امرأة» (1956)، «الفتوة» (1957)، «إحنا التلامذة» (1959)، «وإسلاماه» (1961)، «أم العروسة» (1963)، «الطريق» (1964)، «خان الخليلي» (1966)، «إضراب الشحاتين» (1967)، «السراب» (1970)، «خللي بالك من زوزو» (1972)، «زائر الفجر» (1972)، «السكرية» (1973)، «السقا مات» (1976)، «الوداع يا بونابرت» (1985)، «للحب قصة أخيرة» (1986)، «إسكندرية كمان وكمان» (1990)، «مرسيدس» (1993) وغيرها...

شكلت شخصية «شفاعات» في فيلم «شباب امرأة» (إخراج صلاح أبو سيف) انطلاقتها السينمائية القوية، إذ قدمت من خلاله أداء دقيقاً لا ينسى لامرأة الغواية التي تسحر الشاب الريفي البريء إمام (شكري سرحان) وتذهب به في طريقها بعيداً إلى أن يُنقذ بأعجوبة في النهاية، بينما تدفع هي الثمن. أدت الدور بجمال وبراعة، حتى أننا لا نتصوره بغير طلة تحية وإحساسها أو بالأحرى سحرها.

تحية كاريوكا ظاهرة مميزة لا مثيل لها في الفن الشامل، رقصاً وتمثيلاً، بالإضافة إلى أنها إنسانة جسورة من نوع خاص... تستحق دائماً «التحية».