لا يخفى على أحد أن النظرة العربية العامة إلى الرئيس باراك أوباما تزداد سلبية منذ الخطاب الذي ألقاه في شهر يونيو عام 2009 في القاهرة بمصر، فقد أظهر عدد كبير من استطلاعات الرأي الحديثة أن سعي أوباما لاسترضاء إسرائيل قد خيب آمال العرب. وأشار المحللون إلى أن هذا الاستياء دفع بالعرب إلى التقرب من إيران وتقبل برنامجها النووي، حتى صاروا يرفضون المحاولات التي تقودها الولايات المتحدة لعزل الجمهورية الإسلامية والضغط عليها... ولكن تظهر الأرقام في هذا المجال أن هذا مخالف للواقع.

Ad

على سبيل المثال، يؤيد البروفسور شبلي تلحمي الفكرة القائلة إن الرأي العام العربي "قد تبدل، متبنياً نظرة إيجابية إلى برنامج إيران النووي". ويؤكد تلحمي، باحث في "معهد بروكينغز" ومحلل بارز للرأي العام الشرق أوسطي، أن الشعوب العربية تملك تطلعات متفائلة إلى التطورات التي ستشهدها المنطقة، في حال امتلكت إيران سلاحاً نووياً.

ولكن منذ توصل أوباما الخريف الماضي إلى تسوية علنية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن مسألة المستوطنات الإسرائيلية البالغة الأهمية، سعى عدد من استطلاعات الرأي المختلفة إلى تحديد موقف العرب من إيران. فكشفت جميع هذه الدراسات، باستثناء واحدة، وجهات نظر سلبية من إيران وبرنامجها النووي ورئيسها محمود أحمدي نجاد. لكن تلحمي ومحللين آخرين أخطؤوا باعتمادهم على استطلاع رأي واحد أجرته "مؤسسة زغبي" عام 2010، متجاهلين سائر الدراسات التي تناولت هذه المسألة.

أظهر الاستطلاع الذي أجرته "مؤسسة زغبي" بين 29 يونيو و20 يوليو أن 58% ممن شملهم الاستطلاع في ست دول عربية (مصر والأردن والمملكة العربية السعودية ولبنان والمغرب والإمارات العربية المتحدة) يعتقدون أن "إيران تحاول تطوير أسلحة نووية"، ولا "تجري أبحاثاً لأهداف سلمية". وجاءت هذه النتيجة مطابقة لما توصل إليه استطلاع "مؤسسة زغبي" السنة الماضية. غير أن دراسة عام 2010 احتوت تبدلاً مذهلاً بمعدل 50 نقطة في الإجابات عن سؤال مهم: هل يكون تأثير تطوير إيران سلاحاً نووياً سلبياً أم إيجابياً في الشرق الأوسط؟ قبل سنة، ظن 46% ممن استُطلعت آراؤهم أن تأثيره سيكون سلبياً، مقابل 21% اعتقدوا العكس. أما استطلاع هذه السنة، فأظهر أن 57% اعتبروا نتيجته إيجابية، مقابل 29% أجابوا إن امتلاك إيران أسلحة نووية سينعكس سلباً على المنطقة.

يُعزى هذا التبدل الكبير إلى مصر، حيث اعتبر 69% ممن أجابوا عن هذا السؤال أن امتلاك إيران أسلحة نووية سيعود بالفائدة على المنطقة، مع أن عدداً منهم أعرب عن شكوكه حيال نوايا إيران السلمية المزعومة.

ما من توضيح مقنع يعلل هذا التبدل الكبير في الأرقام خلال هذه السنة أو يُظهر سبب اختلافها عن نتائج كل استطلاعات الرأي العربي التي نُشرت في الفترة عينها. علاوة على ذلك، ثمة أسباب وجيهة كثيرة تؤكد أن نسبة كبيرة من العرب تخشى إيران أو تبغضها أو تكرهها عموماً. ومن هذه الأسباب نذكر الانشقاق الطائفي السني-الشيعي، فضلاً عن الانقسامات بين الشيعة أنفسهم؛ والخلاف التاريخي والإثني بين العرب والفرس؛ ومعارضة التدخلات الإيرانية والإرهاب والاحتلال الإيرانيين في العراق ولبنان ومعظم دول الخليج العربي؛ وكره الاستبداد الوحشي الإيراني الذي تجلى على وجه الخصوص السنة الماضية، ورفض موقف أحمدي نجاد المتعالي والمنافق من العرب والقضايا العربية. وبما أنه ما من تفسيرات مقنعة تبرر هذا التحول الجذري في تقارير "مؤسسة زغبي"، يجب اعتبار هذا الاستطلاع مجرد حالة شاذة لا يمكن الاعتماد عليها، إلا إذا ظهرت بعض الأدلة الدامغة الجديدة التي تدعم هذا التحول.

يزداد الشك في صحة نتائج استطلاع "مؤسسة زغبي" بعد الاطلاع على دراسة أجراها "معهد بيو" ضمن إطار برنامج "المواقف العالمية" قبل شهرين تقريباً، طرحت أسئلة مشابهة في مصر والأردن ولبنان وتوصلت إلى نتائج مغايرة تماماً. ففي استطلاع "بيو"، عبرت الأغلبية العظمى في هذه الدول العربية الثلاث عن وجهات نظر سلبية من إيران: مصر 66%، والأردن 63%، ولبنان 60%. أما آراؤهم في أحمدي نجاد فكانت أكثر سلبية: ففي مصر ذكر 72% أنهم لا يثقون به. وهذا ما عبر عنه أيضاً 66% ممن استُطلعت آراؤهم في الأردن و63% في لبنان.

بالإضافة إلى ذلك، كشف استطلاع "معهد بيو" أن أغلبية مَن سئلوا في هذه المجتمعات العربية الثلاثة عبروا عن آراء سلبية في برنامج إيران النووي، هذا إذا لم نأتِ على ذكر البلدان الأخرى ذات الأغلبية المسلمة التي شملها الاستطلاع. وفي مصر ولبنان، عارض الثلثان احتمال أن تطور إيران أسلحة نووية، وكان هذا رأي الأردنيين أيضاً، وإن بفارق أقل (53% مقابل 39%). فضلاً عن ذلك، تراوح دعم الأغلبية في هذه البلدان الثلاثة لفرض عقوبات أقسى على إيران بين 66% و72%. وبين الأغلبية المصرية والأردنية التي عارضت امتلاك إيران أسلحة نووية، اعتقد كثيرون أن النجاح في الحؤول دون تحول هذا الاحتمال إلى واقع ملموس أهم من تجنب صراع عسكري.

لم يكن استطلاع "معهد بيو" الوحيد الذي كشف عن مواقف الشعب العربية السلبية من إيران، ففي شهر نوفمبر عام 2009، تعاونت "مؤسسة بيشتر" لاستطلاعات الرأي في الشرق الأوسط (وأنا مستشارها) مع مؤسسة بحث عربية بهدف استطلاع آراء المصريين والسعوديين بشأن هذا الموضع. فتبين أن الأغلبية العظمى (57%) من السعوديين تدعم فرض عقوبات أقسى على إيران، في حال لم "تقبل بالقيود الجديدة التي وُضعت على برنامجها النووي". حتى أن ثلث مَن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم يؤيدون "ضربة عسكرية أميركية ضد المنشآت النووية الإيرانية"، في حين دعم ربعهم ضربة عسكرية إسرائيلية.

أما المصريون، فكانوا أقل تشدداً في الموضوع الإيراني، لكن استطلاع "بيشتر" يُظهر أنهم منقسمون مناصفة تقريباً حول مسألة العقوبات. فيصر نحو 43% ممن استُطلعت آراؤهم على فرض عقوبات أقسى ضد هذا البلد، إلا أن ربع المشاركين المصريين فقط ذكروا أنهم سيدعمون ضربة عسكرية أميركية ضد برنامج إيران النووي، في حين أن عدداً أقل بعد (17%) وافق على ضربة إسرائيلية.

لا عجب في أن يكون السعوديون، الذين يُعتبرون الأقرب جغرافياً إلى إيران، الأكثر تأييداً لاتخاذ خطوات عدائية بغية لجم تأثير الجمهورية الإسلامية. وتتلاءم نتائج استطلاع "بيتشتر" مع استطلاع آخر للرأي أجراه "منتدى مناظرات الدوحة" و"YouGov/Siraj" في شهر نوفمبر عام 2009. اقتصر هذا الاستطلاع في جزئه الأكبر (80%) على شريحة من مستخدمي الإنترنت الرجال. رغم ذلك، شكّلت هذه عينةً من مجموعة واسعة ومتنوعة تضم نحو 200 ألف من مستخدمي الإنترنت في المنطقة. إذن، تُعتبر هذه النتائج مؤشراً إلى مشاعر شريحة مهمة وواعية من شعوب دول الخليج.

كشفت هذه الدراسة أن الأغلبية العظمى (83%) من هذه الشريحة العربية في دول الخليج تعتقد أن إيران تخطط لتطوير أسلحة نووية، رغم ادعائها حسن نواياها. ومن الملفت للنظر أن أكثر من النصف (53%) وافقوا على فكرة أن "إيران ستشن هجوماً نووياً على بلد أو فريق آخر، في حال طورت أسلحة نووية". فضلاً عن ذلك، يظن مَن قال إن إيران ستستخدم أسلحتها النووي، بهامش 3 إلى 1، أن الجمهورية الإسلامية ستستهدف المملكة العربية السعودية أو بلداً خليجياً آخر، لا إسرائيل. نتيجة لذلك، لم يرَ سوى الثلث (37%) أن أسلحة إيران النووية ستؤمن نوعاً من "توازن القوى" في المنطقة.

تأتي النتائج الأكثر غرابة من بلد بالغ الأهمية لم تشمله أي من دراسات "العالم العربي" التقليدية، ألا وهو العراق. لكن استطلاعاً للرأي أجرته "مؤسسة بيشتر" لاستطلاعات الرأي في الشرق الأوسط في أبريل عام 2010، بالتعاون مع مؤسسة أبحاث محلية رائدة، حاول سد هذه الفجوة بتقديمه نتائج مفاجئة. فبين سنّة العراق العرب والأكراد، يرفض الثلثان الروابط التي تجمع إيران بالقادة السياسيين العراقيين. كذلك، لا تعارض الأغلبية العظمى أحمدي نجاد فحسب، بل ترفض أيضاً تصريحاته التي تنكر حدوث المحرقة النازية. ولعل الأغرب إعراب 17% من العراقيين الشيعة فقط عن نظرة إيجابية إلى أحمدي نجاد. أما النتيجة المعبِّرة حقاً فهي اعتبار 43% مند العراقيين الشيعة الروابط التي تجمع إيران بشخصيات سياسية عراقية سلبية، مقابل 18% فقط اعتبروها روابط إيجابية.

إذن، النتائج العامة هي كالآتي: منذ شهر نوفمبر عام 2009، عكست أربعة استطلاعات للرأي مستقلة وذات مصداقية عالية آراء عربية سلبية جداً بشأن إيران، وأحمدي نجاد، وبرنامج إيران النووي. واقتصرت الآراء الإيجابية نسبياً على استطلاع واحد. لا شك أن أوباما خيب أمل العرب، ولكن إن كانوا يعارضون اتخاذ الولايات المتحدة خطوات أكثر حزماً في تعاملها مع الجمهورية الإسلامية، فهم بالتأكيد لا يخبرون مَن يجرون استطلاعات الرأي بآرائهم هذه.

David Pollock

*باحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تولى بين عامي 1987 و1995 رئاسة فرع أبحاث الشرق الأدنى/جنوب آسيا/أفريقيا في الوكالة الأميركية للمعلومات. ثم شغل مناصب استشارية عدة في وزارة الخارجية بين عامي 1996 و2007.