عوضاً عن استعراض مقترحاتهم بشأن السلام، حرص الفرقاء المشاركون في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية التي جرت هذا الأسبوع على أن يكون كل منهم عارفاً بمن يجب تحميله مسؤولية فشل المفاوضات المتوقع على نطاق واسع. لا يفاجئنا ذلك، لأن موقف كل طرف لا يخفى عن الطرف الآخر، ولاتزال احتمالات سد المحادثات الفجوة بين هذه الأطراف بعيدة، حتى بالنسبة إلى المحادثات "المباشرة" المختلفة عما يُسمى محادثات "الجوار" التي يقوم بوساطتها دبلوماسي أميركي يتحرك في جولات مكوكية.يحذر الفلسطينيون من أنهم لن يوقعوا أي اتفاق إن واصلت إسرائيل توسيع مستوطناتها على الأراضي المحتلة. بحسب تعبير المفاوض الفلسطيني، صائب عريقات، على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "اختيار إما المستوطنات وإما السلام". في المقابل، يلفت الإسرائيليون إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، يفتقر إلى القوة السياسية التي تخوله إقناع شعبه، وحتى حركة فتح التي يرأسها، بتأييد أي اتفاق يُعقد. فعباس يحكم تحت مظلة منافسيه في حركة "حماس"، التي شددت على رفض عملية سلام لا تشارك فيها عبر شن هجومين مميتين على مستوطنين إسرائيليين هذا الأسبوع. يقول الإسرائيليون بالتالي إن "حماس" تعمل لمصلحة إيران التي يشكل نفوذها عائقاً أساسياً أمام السلام. وإن كانت إدارة أوباما تريد السلام، من الأفضل لها إذن المضي في نزع مخالب إيران. رغم أن قمة السلام هذا الأسبوع كانت شبيهة بسابقاتها من حيث المراسيم الاعتيادية، لكن فحواها مختلف تماماً عن عملية أوسلو التي اتصفت بالاندفاع. لا يعتقد أي من الطرفين أن المحادثات التي انطلقت يوم الخميس الثاني من سبتمبر ستسفر عن تطبيق حل إقامة دولتين في وقت قريب. الهدف في المقابل عقد "اتفاق إطار"، وصفه المبعوث الخاص جورج ميتشل بأنه "أكثر تفصيلاً من إعلان مبادئ... إنما أصغر من اتفاقية متكاملة"، بمعنى آخر، إرشادات ستُبطّق في أحوال أفضل.عباس مقتنع لسبب وجيه أن نتنياهو لن يقدم ما يحتاج إليه. ففي النهاية، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي وقف بناء المستوطنات أو القبول بحدود عام 1967 كأساس للمحادثات، كذلك يشدد على أن إسرائيل لن تشاطر القدس. وهكذا أخبر الرئيس الفلسطيني شعبه بأنه جُرَّ إلى واشنطن تحت تهديد خفض المساعدات التي تقدمها الدول المانحة إلى إدارته الممولة بالمساعدات، ما يقوض أي اتفاق يتمخض عن المحادثات. ومن الواضح أنه لا يتوقع النجاح في التوصل إلى اتفاق. لعل عباس يأمل بكل بساطة أن يثبت في ظل حضور الأميركيين أن نتنياهو غير مستعد لتطبيق حل قابل للحياة بإقامة دولتين، وأنه في حال ظنت واشنطن، كما أكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، أن السلام الناجم عن إقامة دولتين مهم للأمن القومي الأميركي، من الأفضل لها الاستعداد للضغط على الإسرائيليين. لكن بعد عدول أوباما عن المواجهة في ما يتعلق بتجميد المستوطنات، قد يكون ذلك مجرد أمنيات.من جهته، لا يتعرض نتنياهو لأي ضغط سياسي محلياً للتوصل إلى اتفاق، لا بل على العكس. فحين تصدى لأوباما في مسألة المستوطنات، ارتفع شأنه السياسي محلياً، لأن السلام مع الفلسطينيين لم يعد أولوية في نظر السياسيين الإسرائيليين. وحسبما أفاد مفاوضا "كامب ديفيد" روبرت مالي وحسين آغا بوضوح في صحيفة "واشنطن بوست" يوم الخميس: "إن عاد نتنياهو باتفاق فسيُستقبل كقائد تاريخي... وإن انهارت المحادثات فسيشكره مؤيدوه لوقوفه ثابتاً، بينما سيلقي منتقدوه باللوم في الوقت المناسب على الفلسطينيين. أما عباس فسيُلعَن في كلتا الحالتين". اعترف نتنياهو باستعداده لتقديم تنازل تاريخي، لكن ذلك قد يكون مختلفاً عما يعنيه بالنسبة إلى عباس. لفت رئيس الوزراء الإسرائيلي عند تسلمه زمام الرئاسة إلى أن محاولة التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الصراع في المستقبل القريب أمر غير مجدي. في المقابل، أيّد "السلام الاقتصادي"، مسلّطاً اهتمامه على تسهيل ظروف الحياة في الضفة الغربية للسماح بالتطور الاقتصادي والإداري، منشئاً بنية تحتية للتعايش الفلسطيني على المدى الطويل مع الإسرائيليين المجاورين. حتى إن حمل نتنياهو على استخدام كلمتي "دولة فلسطينية" تطلب بعض الجهود من إدارة أوباما. في النهاية، امتثل في خطاب ألقاه العام الماضي لكنه أضاف شروطاً لا يقبلها عباس أو أي زعيم فلسطيني آخر.في ظل سيطرة "حماس" على غزة، يرى الإسرائيليون في تغيير النظام في القطاع الساحلي شرطاً مسبقاً للتقدم. حسبما يجادل مستشارو نتنياهو، من السذاجة تصور أن عباس قد يعقد اتفاقاً لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالنظر إلى وضع السياسة الفلسطينية. لذلك لا تُعتبر المحادثات الراهنة تسوية حاسمة للمشاكل مع الفلسطينيين، وإنما تطبيقاً لما أسماه القادة الإسرائيليون في السابق "أفقاً سياسياً" لاستراتيجية تعاون تقضي بتحسين أحوال الفلسطينيين وتعزيز الحوكمة في الضفة الغربية بينما تترك غزة تتقيح في الوقت عينه لإجبار الفلسطينيين على نبذ مسار "حماس". عملت إدارة بوش وفق وجهة النظر هذه وحملت عباس على خوض محادثات غير محسومة على مدى عام مع رئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت، كان هدفها التوصل إلى ما سُمّي (للأسف) "اتفاق مؤجّل" (يوضع الأرفف)، إيعاز إلى هدفه المُرجأ بما أن العالم كان ينتظر يوماً أفضل لتطبيقه فيه. بالرغم من عدم توصل عباس وأولمرت (قائد أكثر وسطيةً من نتنياهو الذي يتبنى سياسة الصقور) حتى إلى اتفاق مؤجّل، قد لا يكون مفهوم إدارة أوباما عن اتفاق إطار مختلفاً كلياً. فهو يهدف إلى توليد الأمل في الأفق المؤجّل وتغيير الوضع الراهن في الوقت عينه تدريجياً.لكن إرجاء إقامة دولة فلسطينية سيغيظ عباس والأنظمة العربية المعتدلة، لأن إطارها ترسّخ، على حد اعتقادهما، في دورات المحادثات السابقة. مع ذلك، قد يكون الاتفاق الإطار أفضل ما قد تحصل عليه إدارة أوباما طالما أنها تسعى إلى التوافق مع نتنياهو. قد يأمل المتفائلون في واشنطن إذن أن يشكل أي إطار عمل متفق عليه للمستقبل تقدّماً، كما كان حمل نتنياهو على النطق بكلمة "دولة".مع ذلك، تكمن العبرة الحقيقية المستخلصة من العقدين الماضيين في أن الوضع على الأرض يُفشل الحوار بين الجهات المتفاوضة. فعلى مر عقدي المحادثات هذين، تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين، وتحوّل هؤلاء من الوسطية السياسية إلى اليمين، بينما تقهقرت قوة عباس إلى غير رجعة بسبب العائدات المتقلصة لاستراتيجيته التفاوضية. وحتى مع انطلاق المحادثات، تقوم حركة "حماس" بقتل المستوطنين، ويخطط المستوطنون المتشددينبلاشك للانتقام. لذلك قد يتطلب منع الوضع على الأرض من التزايد سريعاً أكثر من مجرد اتفاق إطار.
مقالات - Oped
محادثات السلام... يجب تعبيد الطريق أمام «التقدم»
07-09-2010