وهكذا توشك أيام شهر رمضان أن تنقضي ولياليه أن تتصرم، والكل يتساءل كيف مر سريعاً، وهكذا تمضي الأيام والسنون سراعاً، وتدور عجلة الزمن كلمح البصر وتتصرم أيامنا ونحن في غفلة لاهون، وعلى الدنيا مقبلون، وعن الآخرة معرضون، وعما قريب ينادي بنا داعي الموت ليوقظنا من غفلتنا التي نحن فيها، وما نحن في الدنيا إلا كما قال أحد الحكماء "ما أصبح أحد في الدنيا إلا وهو ضيف، ولا شبهة في أن الضيف مرتحل، وما أصبح ذو مال فيها إلا وماله عارية عنده، ولا ريب أن العارية مردودة".

Ad

وكم تصدمنا الدنيا بمرارتها عندما نجيل الخاطر ونتذكر أحبة لنا وأصدقاء كانوا في السنة الماضية معنا، وتدخل السنة الجديدة ونحن نفتقدهم بعد أن غادروا هذه الدنيا الفانية وصافح التراب وجوههم وصاروا أثراً بعد عين. نعيش في هذه الدنيا وكأننا لن نتركها، ونتنافس على متاع الدنيا وكأننا مخلدون فيها، ونسكن في ديار من كانوا قبلنا دون أن نعتبر، ونتمنى أن تجمع لنا الدنيا وما جمعت لأحد من قبلنا، ولكن هي الدنيا الغرور كما وصفها الإمام علي "دار منى لها الفناء ولأهلها منها الجلاء وهي حلوة خضراء وقد عجلت للطالب والتبست بقلب الناظر"، وما أبلغ قول الشاعر فيمن يحسن الظن بالدنيا ويركن إليها:

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت     ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها     وعند صفو الليالي يحدث الكدر

نسعد بقدوم سنة جديدة ولا ندري ما يصير إليه فيها مصيرنا، وهل يقيض لنا أن نكمل أيامها أم ينادي بنا فيها داعي الرحيل، ولا نعلم هل نصير فيها إلى حال أحسن مما نحن عليه، أم نتحسر على ما كنا فيه فنكون كما قال الشاعر:

رب يوم بكيت منه فلما     صرت في غيره بكيت عليه

والعجب ممن يحتفل بذكرى ميلاده ويسميه عيداً، يفرح لقدومه مع أن اللائق أن يحزن فيه لأن حلوله يعني أنه نقص من عمره سنة وأنه لايزال في نقصان من عافيته إلى انقضاء عمره، وكم هو معبر قول أحد الحكماء عندما يخاطب مثل هذا المبتهج بقوله "ولو كشف لك عما أحدثت الأيام فيك من النقص لاستوحشت من كل يوم يأتي عليك واستثقلت ممر الساعات بك، والدهر يوم مقبل تنعاه ليلته وتطويه ساعاته وأحداثه تتوالى على الإنسان بالتغيير والنقصان، والدهر موكل بتشتيت الجماعات وانخرام الشمل وتنقل الدول، والأمل طويل والعمر قصير وإلى الله تصير الأمور".

هل هذه الدنيا تستحق أن يقاتل فيها الإنسان لجمع أموال لا تبقى له وبيوت يسكنها غيره ولذات تفنى وتتصرم ولا يعقبها إلا الحسرة والندامة، فحري بالعقلاء كما يقول الإمام علي أن "يرتحلوا منها بأحسن ما بحضرتهم من الزاد، ولا يسألوا فيها فوق الكفاف، ولا يطلبوا منها أكثر من البلاغ".