لعل مشكلة فيلم «فاصل ونعود» الأولى، أنه لا يخلو من ادعاء تقديمه دراما جادة ذات موضوع إنساني رقيق دقيق وربما ذات تحليل نفسي أيضاً وغوص في النفس الإنسانية، ولمَ لا؟... وهو يعود إلى تيمة فقدان الذاكرة، التي تمّ التطرق إليها من وجوهها كافة سابقاً ويدور في مدارها.

كان بالإمكان أن نتفهّم الفيلم أكثر، لو قدّم نفسه في حدود حقيقته وطبيعته باعتباره فيلماً بسيطاً للترفيه والتسلية المحضة، من خلال نوعية الـ{أكشن» التي تتخللها درجة من المرح في الأداء بالنسبة إلى بطله، لكان أنصف نفسه أكثر ولتقبلناه في إطار تلك النوعية وذلك التصنيف، فلا بأس من وجود سينما جماهيرية ترنو إلى التسلية، تعرف حدودها ولا تدّعي أكثر وينظر إليها متذوّقو السينما ونقادها ضمن هذه النوعية التي تزخر بها السينما منذ نشأتها، بل هي الكثرة الغالبة من أفلامها.

Ad

ليس في ذلك عيب، وإن كانت تلك النوعية التجارية الترفيهية لا ترقى، بطبيعة الحال، إلى النوعية الفنية التي تقدّم فكراً وتبدع تطوراً حرفياً وجمالياً، يسهم في تطوير الذوق الإنساني والمجتمع والفن السينمائي.

بطل «فاصل ونعود» هو النجم الشاب كريم عبد العزيز، الذي يتمتع بقبول لا شكّ فيه، وبروح وطابع متميزين، ويثبت في أعماله حفاظه على الصدارة ضمن نجوم جيله. يبدو أن نموذج الشاب الذي يمزج في حديثه وأدائه بين الجدّ والهزل يحقّق له شعبية أكبر، لكن عليه أن ينوّع ويطوّر أكثر في الأداء، لأن الجمهور ينتظر من نجمه جديداً دائماً مهما كان محبوباً، إذ لا يوجد خطر على الفنان أكثر من التكرار ولا شيء يهدّد أو يهدر نجاحه أكثر من تكرار المجرَّب و{المضمون» خوفاً من ضياع النجاح!

«فاصل ونعود» يقدّمه نجمه مع المخرج أحمد نادر جلال، الذي تعاون معه في أعمال عدة ومن الواضح أنه يفضّل العمل معه، وكتبه أحمد فهمي، لكن نجم هذا الفيلم لا يشاركه أحد البطولة، فالأدوار الأخرى باهتة بما في ذلك دور المرأة (الممثلة الشابة الصاعدة دينا فؤاد).

يدور القسم الأول والأقصر من الفيلم حول محاولة إثبات حقّ عربي (كريم عبد العزيز)، يعمل سائق تاكسي، في أن يحتفظ بطفله بعد وفاة زوجته وينازعه على حضانة الطفل والد زوجته (أحمد راتب)، رجل ثري يكره زوج ابنته ولم يوافق على الزواج أصلاً، وبعد وفاتها يطالب بالطفل ربما انتقاماً بالدرجة الأولى، لكن المحكمة تقضي لصالح والد الطفل وليس جدّه وبهذا ينتهي القسم الأول.

في القسم الثاني والأطول إلى نهاية الفيلم، ينقضّ رجال أشدّاء (على غرار رجال العصابات التقليديين في السينما المصرية) على عربي وطفله وهما في طريقهما إلى الاحتفال بحكم المحكمة، ويخطفون الطفل بعد معركة مع الأب ويتركونه ملقى في الطريق يعاني إصابات أهمها «ارتجاج في المخ»، وحين يستفيق في المستشفى نكتشف بواسطة الطبيبة الشابة (دينا فؤاد)، أنه أصيب بفقدان ذاكرة «جزئي»... يتذكّر كل شيء قبل الحادثة، لكن ما يحدث معه بعدها ينساه بمجرد مرور دقائق.

على رغم إصابته أو عجزه القاسي، يدخل هذا الرجل في معارك طاحنة (أكشن) على مدار الفيلم للوصول إلى خاطفي طفله، ويحرز انتصارات ويصيب هؤلاء في مقتل الواحد تلو الآخر، فيصفّق له البوليس والمحقق، الذي يظهر بدور باهت للغاية لعجزه عن الوصول إلى ما بلغه البطل «الشجيع»!

ثمة اكتشافات أخرى، في نهاية الفيلم أو قربها، لا نريد أن نفسدها على قارئ هذه السطور، إن كان مثل ذلك يهمه، وهي على أي حال عناصر ضمن توليفة التسلية، من دون أفكار أو تأملات حقيقية أو ومضات فنية لافتة.

ما دامت حال الفيلم كذلك، بتصوّره أو ببنائه كدراما وبالغرض الحقيقي من إنتاجه، فليس مطلوباً من العناصر الفنية (تصوير، مونتاج، ديكور، موسيقى ومؤثرات، التمثيل) إذاً أن تعطي ومضات فنية أو بريقاً وألقاً إبداعياً خاصاً... بل «التخديم» لطبيعة الفيلم الذي هو في جوهره فيلم حركة بالغ البساطة يستند إلى حبكة هينة واهنة وتيمة معادة مكررة.

«فاصل ونعود» سيمرّ مرور الكرام وسيُغلّفه النسيان بعد حين مثل آلاف الأفلام من ركام السينما التجارية التي تقدّم يومياً في كل مكان ولن يترك أثراً. مع أنه لا يخلو من لحظات تسلية وقتية، إلا أنه لن يكون أحد الأفلام التي تثير النقاش والاهتمام.