قليلة هي تلك المرات التي لم أستطع كبح مشاعري فيها، إذ تنهمر دموعي فيها غزيرة، وقد كانت إحداها عندما شاهدت وطني الذي رسمت له أجمل الصور في قلبي يتداعى وينهار، وأنا أقف عاجزاً عن فعل أي شيء لإنقاذه، ولا أعرف السبب الحقيقي في ذلك الوقت؛ لأن صورة زميلي في الدراسة الجامعية الذي أصيب بالمرض اللعين في ريعان الشباب تقفز في ذهني. وربما يكون السبب هو أنها كانت أيضاً إحدى المرات التي سالت فيها الدموع رغما عني، فقد سيطر المرض على معظم أجزاء الجسد، وكان لا بد من اتخاذ إجراء حاسم لوقف الزحف لما بقي من صحيح البدن. عندما يُقدم الأطباء على قرار العلاج الكيماوي لمرضى السرطان فإنهم يدركون تمام الإدراك ما يمكن أن يترتب عليه من آثار جانبية، وما قد يلحقه من أثر في كل الخلايا النشطة في جسد المريض سواء المصاب منها أو الصحيح، وما يترتب على ذلك من آثار شكلية تتمثل بتغير الملامح والإرهاق والانطواء والتخبط في القرارات وغيرها من الأعراض المختلفة. إلا أنهم يصرون على استكمال العلاج بالمزيد من الجرعات حتى يتماثل المريض في النهاية للشفاء بإذن الله، تاركين عواطفهم جانبا؛ لأنهم يدركون أن سمو الهدف قد يعلو فوق صوت صرخات المريض نفسه. إن ما حدث من ثورة عظيمة في مصر كشف أن البؤر المتسرطنة في جسد الوطن ليست نهاية المطاف، إنما هي البداية التي تحتاج إلى تدخل سريع باتخاذ القرار الكيماوي في العلاج، فاستئصال البؤر المصابة وحده لا يكفي، فهو كفيل بإعادة إيقاظ الخلايا النائمة التي كانت كأخطبوط له آلاف الأذرع التي استمرت تبث سمومها في جسده لفترة ليست بالقليلة من الزمن. مصر الآن تترنح كمريض يتعرض للجرعة الأولى من العلاج، والتي بالفعل هي أصعب مراحله، وما نراه يحدث على الساحة فيها ما هو إلا ردة الفعل الطبيعية للخلايا الخبيثة لمقاومة جرعات العلاج. وقد تحتاج إلى عملية نقل دم، والحمد لله أن فصيلتها عربية إسلامية، وما أكثر المتبرعين الذين يهمهم أن تستعيد مصر عافيتها لترد لهم في الوقت المناسب دماءهم نظيفة غير ملوثة. فلا تظلموها وأمهلوها حتى تتعافى، واستعينوا بالصبر والتماسك وعدم الاستسلام والثقة العالية بأنفسكم وبمصر... حفظ الله مصر وجميع أوطاننا من كل مكروه وسوء.
مقالات
الكيماوي هو الحل
21-05-2011