لم تنطق تلك السيدة الأميركية التي قاطعت نتنياهو أثناء إلقائه خطبته «العصماء» في الكونغرس باسمها فقط، إنما عبّرت عن رأي العرب والمسلمين ومحبي السلام في العالم، مختصرة كل الردود الممكنة على أكاذيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بعبارات بسيطة «لا للاحتلال، أنت كذاب، أنت مجرم حرب».

Ad

وواقع الأمر أن أحداً لم يكن ينتظر من نتنياهو أن يقدم تنازلات تسهِّل العودة إلى المفاوضات، فالرجل على مذهب المتشددين من أسلافه، يتبع سياسة التصلب المطلق في انتظار التنازل التام من قِبَل الخصم. فلا فاجأنا بإنكاره حقَّ العودة على من اقتلعتهم إسرائيل من أراضيهم عام 1948، ولا أدهشنا بأفكار «إبداعية» وعد بها جورج ميتشيل المبعوث الأميركي المجهَضة مهمته، وتتعلق بحدود عام 1967 والمستوطنات، بل على العكس من ذلك فإنه ألقى في سلة المهملات مقترحات أوباما الأخيرة في هذا الشأن رغم تعديلها و»تلطيفها» أمام مؤتمر «إيباك» لتلائم المناسبة ولئلا تستفز الزائر «الاستثنائي».

ويهون الأمر لو اكتفى نتنياهو بما هو متوقع منه في شأن الإصرار على احتلال القدس ومطالبة الرئيس محمود عباس بإقصاء «حماس» والاعتراف بـ»دولة يهودية» إلى جانب الدولة الفلسطينية «المنزوعة السلاح»، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي المحرج من سقوط مقولة «إن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، أعلن «أن مليون مسلم وعربي فقط من أصل ثلاثمئة مليون يعيشون في ظل الديمقراطية، وهم هؤلاء الذين يعيشون في دولة إسرائيل». وهو كلام أقل ما يقال فيه إنه وقح وحقير ينطق به مجرم حرب لا تعد ضحاياه وزعيم دولة عنصرية استباحت أرض فلسطين وشعبها، وارتكبت جملة حروب عدوانية ضد جيرانها، وتروِّج لدى الغرب بأنها حاملة لمشعل الحضارة وقيم الحداثة والديمقراطية.

أما عن إعجاب نتنياهو بشباب العرب المطالبين بالديمقراطية والحرية، فهو لا يعدو كونه محاولة سخيفة للقفز فوق موضوع الحق الفلسطيني والاحتلال وعملية السلام. فالشباب العرب المنتفضون لا يستلهمون النموذج الإسرائيلي، بل هم نقيضه تماماً، والكرامة التي يطالب بها هؤلاء الشباب هي نفسها كرامة الفلسطيني الرافض للاحتلال. وتطورات وقائع الانتفاضات تثبت أن الكرامة والديمقراطية والحقوق الوطنية ومحاربة الفساد تتكامل وتصب في النهاية بعكس مسار دولة إسرائيل التي تناقض كل القيم التي عبر عنها «الربيع العربي» منذ اشتعل جسد البوعزيزي واشتعلت معه ثورات الياسمين.

آخر مَن يحق له أن يعطي دروساً في الديمقراطية وحقوق الإنسان هو الإسرائيلي المحتل، نحن نعرف ذلك ولا نحتاج إلى برهان. لكن المؤسف أن يقف أعضاء الكونغرس 24 مرة، مصفقين لسياسي متطرف لم يُعرَف عنه يوماً أنه محب للسلام، ولا تستطيع مياه الأرض أن تطهر يديه من آثار الدماء.