في 25/3/2010 كتبت في هذه الزاوية مقالا بعنوان «متى نغضب؟» الذي تناولت فيه مسلسل تهويد القدس وسط صمت الأنظمة العربية المتخاذلة وتحدث الصهاينة جهاراً نهاراً عن تعاون هذه الأنظمة معها. وقلت في نهاية المقال: «ألم يحن وقت الغضب؟ ألم يحن وقت الانتفاضة الكبرى؟ ألم يحن وقت التخلص من الأنظمة المتخاذلة؟ أم سنستمر بهذا الضعف والهوان ليستمر مسلسل القتل والأسر والاستضعاف؟».

Ad

لم تمر سنة على هذا المقال إلا وقد بدأ تحرك الشعوب لتغيير هذا الواقع، و لم يمض شهران من هذا العام إلا وتخلصنا من طاغيتين في عالمنا العربي المترهل، فلم أكن أتوقع هذا التغيير بهذه السرعة، وإن كنت متيقناً أنه سيحصل لا محالة لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وأن ما بني على باطل سيهدم يوماً ما، وقد تحفظ أحد الأصدقاء على استخدامي لهذه العبارة في نهاية ذلك المقال باعتبارها ضرباً من ضروب الخيال والتحدث بشكل غير واقعي.

لكن، وكما علمنا الباري عز وجل في القرآن، يأتي التغيير مباغتاً ليهز عروش الظالمين في وقت لا يتوقعه أحد «حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». (سورة يونس 24).

والغريب أن الطاغية حسني مبارك لم يتعظ مما حصل لزين الفاسدين قبل أيام معدودة، فوجدناه يكرر نفس السيناريو عبر خطاباته الثلاثة التي كانت تؤجج الشارع أكثر فأكثر وتزيد من مشاعر السخط والغضب عليه، والتي ترجمت إلى شعارات وشتم من قبل شعب عرف بخياله الواسع في تأليف الشعارات، ليخرج من الحكم ذليلاً خانعاً، فلم تقف معه الدول الغربية التي طالما خدمها وضحى برضا شعبه عليه من أجل تنفيذ أجندتها، ولم تنفعه المليارات التي جناها بالفساد المنظم، والتي لن تشتري له السعادة في وقت دب فيه الخلاف الشديد بين أبنائه الفاسدين، وبينه وبين زوجته حسب ما تناقلته المصادر الإخبارية.

فيبدو أنه ظن أن كل القهر والظلم الذي مارسه على شعبه، وكل التعذيب والقتل الذي مارسه «بلطجيته» على الناس، وكل الخيانة التي مارسها ضد قضية العرب والمسلمين الأولى وهي قضية فلسطين وتواطؤه مع الحصار على غزة، أقول يبدو أنه ظن أن باستطاعته الإفلات من العقاب الإلهي ومن دعوات المظلومين- وما أكثرهم- وتناسى أن الله «يمهل ولا يهمل».

إن الزلزال الذي حدث في مصر يعد مفصلياً لتغيير قادم في المنطقة لما لهذه الدولة من أهمية استراتيجية كبرى في الوطن العربي، فليت الأنظمة الأخرى الخائبة تتعظ مما جرى وتبدأ بـ»قص الحق من نفسها»، قبل أن يأتيها الطوفان الذي هو قادم عاجلاً أم آجلاً.

***

عندما غزانا صدام وأعلن أن هدفه تحرير فلسطين وألقى الصواريخ على تل أبيب، تعاطف معه كثيرون من الشعوب العربية، خصوصاً بعض الفلسطينيين، باعتباره يقف مع قضيتهم قولاً وفعلاً، بينما رفضنا نحن هذا الموقف باعتباره لا يقف مع الحق الكويتي حتى لو كان صدام «شكلياً» يقف مع القضية الفلسطينية. نفس الأمر ينطبق على حسني مبارك الذي لم يقف معنا «لسواد عيوننا» بل لأنه مرتبط بالمشروع الغربي بالمنطقة، ولذلك فلا يوجد مبرر للتعاطف مع هذا الظالم بسبب موقفه من احتلال بلدنا.

***

في 7/8/2008 كتبت مقالا بعنوان «هل ينفجر الشعب المصري؟» بعدما كان عنوانه الأصلي «متى ينفجر الشعب المصري؟» وقلت فيه: عندما أسأل المصريين عن وضعهم السياسي، فإن الأغلبية الساحقة منهم يبدؤون بالتذمر وحتى شتم النظام، أما الآن فإن الأغلبية الساحقة ممن أقابلهم وأهنئهم على سقوط الرئيس يقابلونني بالفرح والشكر. فهنيئاً لشعب مصر، لكن ما هذه إلا البداية، ويبقى أمامكم طريق طويل للإصلاح، فنتمنى لكم كل التوفيق.