يُحسب لفيلم «ابن القنصل» (إخراج عمرو عرفة وسيناريو أيمن بهجت قمر) حرص صناعه على تقديم كوميديا متقنة، بعيدة عن الإسفاف والاستخفاف بالمتلقّي. يؤدي بطولتها ثلاثة ممثلين لامعين، لكنهم ليسوا من نجوم الكوميديا، وهم أحمد السقا وخالد صالح وغادة عادل، وقد وُفّقوا في هذه التجربة بوضوح وأضفوا عليها، بأدائهم الطريف المستوعب لطبيعة المعالجة، مذاقاً خاصاً وحضوراً جذاباً.

يُحسب للسقا، وهو أحد أهم نجوم اليوم، عدم رغبته في الاستئثار بالبطولة أو تركيز الضوء على دوره، ذلك في أكثر من فيلم وليس في «ابن القنصل» فحسب.

Ad

يخرج القنصل (خالد صالح) من السجن بعد قضاء عقوبة سنوات طويلة، لاتهامه بجرائم تزوير متنوعة وبسرقة سبائك ذهبية مع شركاء له خدعهم واستأثر بها لنفسه. يتلقّفه عصام (أحمد السقا)، ويخبره أنه ابنه الذي تركه طفلاً عندما سجن، فيحتفي الابن بالأب ويستضيفه في شقته على سطح إحدى أبنية الإسكندرية، القريبة من البحر، ويتأثر الأب بهذا الاحتفاء.

شيئاً فشيئاً يدرك الأب أن ابنه، وهو ملتحٍ، ينتمي إلى إحدى جماعات التزمت والتعصب الديني، ذلك على نقيض حياته وطبيعته هو، إذ عاش طليقاً لاهياً مستمتعاً بكل ما في الحياة من دون أي التزامات.

يحاول الأب الترفيه عن نفسه بمشاهدة التلفزيون، فيكتشف أن ابنه ألغى القنوات كافة باستثناء تلك التي تسودها روح التكفير والوعيد والترهيب بعذاب القبر إلخ.

بعد ذلك، يطلب من ابنه تعليمه كيفية استعمال الكومبيوتر مدّعياً اقتصار استعماله على الخير، لكنه لا يلبث أن يختلس لحظات، يتعرف فيها إلى بوسي (غادة عادل) عبر «النت»، ويلتقي بها فعلاً ويقدمها لابنه باعتبارها ابنة أخته.

لكن ما لا يعرفه القنصل، ولم نعرفه نحن كمشاهدين حتى تلك اللحظة، أن هذه الأحداث كلها هي مؤامرة على القنصل نفسه انطلت عليه وعلينا، شارك فيها كما نعرف لاحقاً الابن المزعوم، بوسي، الصديق القديم المشلول الذي يتضح أنه بصحة جيدة، أصدقاء الابن الإرهابيون بزعامة أميرهم المستفز (خالد سرحان)، مع آخرين، بهدف اكتشاف مكان السبائك الذهبية (وصفت في الفيلم بسخرية: بأن أجيالاً ضحت في سبيلها)، كذلك الانتقام من القنصل لانفراده بها، على حساب شركائه (الإبن في حقيقته ابن أحدهم)، فينجحون في ذلك.

بالأسلوب الطريف نفسه، على رغم العنف الكبير في مشاهد الضرب (الأكشن)، يقع القنصل في الشباك ويُزج في السجن مجدداً بعد تلقينه درساً قاسياً، ثم تلجأ العصابة إلى حيلة قانونية وتنجح في إخراجه مجدداً من السجن.

ربما بدا ثقيلاً على المشاهد كشف المؤامرة بصورة تقليدية، سواء للقنصل أو للمشاهدين، وكان الأفضل إيجاد طريقة أكثر تفنناً وسلاسة، بما يتفق مع الفيلم الذي جاء، باستثناء ذلك، سلساً، متماسكاً، يتّسم بإتقان ملحوظ، سواء على صعيد كتابة السيناريو أو التنفيذ وحرفية المخرج الموفّقة، إلى جانب إدارة عناصر التصوير والمونتاج والموسيقى والمؤثرات الصوتية.

تركّزت مشاهد «ابن القنصل» في الشقة والسطوح، بما يناسب طبيعة الحبكة الدرامية وكوميديا المؤامرة، التي تطبّق على الشخص المستهدف من كل ناحية، بل وبطابع مسرحي مقبول في مثل هذه الحالة، وإن لم يخل الفيلم من مشاهد قليلة جميلة، تخرج بنا إلى طبيعة الإسكندرية، وتنبض بحب وحنين غامرين تجاه المدينة واعتداد بتفرّدها.

جمعت المصادفة بين عرض فيلمي «ابن القنصل» و{زهايمر» في الموسم نفسه، اللذين أخرجهما عمرو عرفة، وهذا أمر لم يسعَ إليه هذا الأخير إنما أدت إليه تقديرات شركات التوزيع، مع ذلك تجعلنا هذه المصادفة نقف على مدى جدية هذا المخرج واجتهاده وقدراته الحرفية الجيدة، وتجعلنا نثق بأنه يزداد خبرة ولديه الكثير ليقدّمه، فيلماً تلو آخر.