تهم صارخة تتلبسنا كلما انطلقت تصريحات وانكشفت توجهات وتحركات أغلبية «مريحة» من نوابنا، إدانة لنا كشعب كامل هي نوعية هؤلاء النواب، فطرحهم وحلولهم تحكي عنا حكاية محرجة كيفما نظرنا إليها، فالشعب الذي يرفع هؤلاء النواب إلى المنصات هو إما شعب سطحي، خالي الوفاض، جل اهتمامه في استهلاكه الذي يتباعد وآدميته، وإما هو شعب «شروة»، دُفعت فيه أبخس الأثمان، وإما هو شعب مرعوب، مهدد بالويل والثبور وأبدية عذاب تزهق الروح خوفاً ووجلاً وتترك الإنسان جسداً مسيراً لمشيئة «أصحاب الأمر».

Ad

أعتقد أن تصويتنا يعكس الاختيارين الأخيرين أكثر من الأول، فالكويتيون كشعب يلتزمون شيئاً من العمق الشعوري الذي فرضته عليهم ظروف بناء بلدهم، التجارب القاسية التي مرت عليهم، والوضع الجغرافي الذي أبقاهم دوماً على أطراف اليقظة، إلا أنه، وبكل ظروفه التي ميزته، يبدو أن هذا الشعب نزل السوق وباع، وسلم القلب واستسلم. فما الذي يمكن أن يجبرنا أن نعيد هؤلاء النواب ذاتهم، مجلساً بعد آخر، ليتهمونا في أخلاقنا، ليثيروا ما عفا وعف الزمن عنه، ليأتوا «حلولاً» تحل عظم الدستور وتفت في عضده؟

ما الذي يعطي هؤلاء النواب الجرأة ليأتوا ما يأتونه إلا أنهم دفعوا ثمناً يلجم ناخبيهم أو أنهم زرعوا خوفاً يشل أطرافهم؟ تواردت علينا في الأيام القليلة الماضية أخبار مقترح جديد من بعض نوابنا بإعطاء منحة مجزية إلى الكويتي الذي يتزوج من ثانية، بشرط أن تكون كويتية، وذلك للقضاء على العنوسة، في صفعة جديدة على الوجه المدني للدولة والوجه الحضاري للتشريع الإسلامي. فالإسلام جاء ليقنن «التعدد الحريمي» في الكثير من أشكاله والذي كان مفتوحاً على مصراعيه في عصر ما قبل الدعوة، والتعددية رخصة تم تقييدها بالكثير من الشروط بغرض الحد منها لا تشجيعها، ولكن يبقى هذا رأياً في تشريع ديني يحتمل الكثير من التفاسير والتوجهات، مما يجعل الاحتكام إليه في التشريع للدولة المدنية يستحيل في إطار اتفاق شامل بين الرؤى المختلفة فقهياً.

تُبنى الدول الحديثة على النظام المؤسسي الذي تكون نواته الأسرة «النووية» المكونة، في معظم المجتمعات، من رجل وامرأة بالغين متساويين في الحقوق والواجبات والمسؤوليات، وأطفالهم الذين يشكلون «الدفعة القادمة» من مواطني الدولة. هذا الأساس إن لم تكن قواعده متوازية ومتساوية، فسيصعد هشاً ضعيفاً مخلخلاً، مبنياً على طبقية اجتماعية تجعل من الدكتاتورية أساساً لتعاملها. في الأغلبية الغالبة من الأسر متعددة الزوجات تتفاقم المشاكل الاجتماعية بين الزوجات وتمتد هذه المشاكل إلى الأبناء، والتي تظهر جلياً في موضوع الميراث وغيرها من الحقوق المستقبلية للأسرة، هذه الأسر تعاني مشاكلها الداخلية ومن طبيعة العلاقات غير المتكافئة بين أفرادها، رجل واحد يسود، ونساء عدة يتبعن، مما ينعكس سلباً على المجتمع ككل الذي يحتاج إلى التعامل مع مواطنين غير متكافئي الأهلية أو الدرجة الاجتماعية. لست هنا أتعدى على حق الأسرة التي تختار التعددية، فهذا حق تكفله قوانين الدولة بما يتناسب والتوجهات الدينية لأغلبية أفرادها، لكن المصيبة في تشجيع مشرعي الدولة لهذا الاختيار الذي يضعف كيانها العام ويخلخل بنيتها الاجتماعية. كيف يمكن لمشرع «عقله في رأسه» أن يقترح التشجيع المادي للتعددية ليحل مشكلة اجتماعية مغامراً بخلق مشكلة أكبر وفجوة أعظم في بنيتنا «المخرومة» أساساً؟

على وضعنا الحالي لدينا من القصص ما يعصر القلب حول آباء يزوجون بناتهم صورياً ليتقاسموا منحة الأربعة آلاف الحكومية مع العريس في تجارة مضمونة ليس من تكلفة لها سوى كيان الفتاة وسجلها الاجتماعي، فكيف سيكون الحال إذا تم إقرار منحة «لمرابحة» الزوجات؟ ستنتعش عندها تجارة الزواج، وقد يكثر الصوري منها لتقاسم المكافأة الجديدة، وكل ذلك على حساب الكويتيات ذاتهن، على حساب كياناتهن الإنسانية ووجودهن الاجتماعي وقيمتهن المواطنية.

كيف سنأمن تزويج بناتنا وفي دولتنا المدنية تشريع يحض على «تعديد» الزوجات بما يكسر قلب وكرامة المرأة الكويتية التي ستشعر أن دولتها تتكاتف والرجل الكويتي عليها في تشريع آخر مذل؟ مرة أخرى، لست هنا ضد الاختيار الحر من كل الأطراف للتعددية، ولكنني أستنكر التشجيع المادي لهذا النهج الذي لن ينتج عنه سوى المزيد من المشاكل الاجتماعية والاستغلال المادي للمرأة الكويتية، ولن ينجح إلا في توسيع الفجوة بين مواطنية الرجل والمرأة في الكويت المدنية. وبضعف إمكان إقرار مثل هذا المقترح المريض يبقى السؤال معلّقاً، أي عقاب نعاقب به أنفسنا، أي بيعة بعناها، أي «شروة» اشترينا بها، أي خوف أبدي علقنا من رقابنا يدفعنا دفعاً لاستحضار وتنصيب وتمكين نواب كهؤلاء؟