فوجئنا وفجعنا بخبر رحيل العم ناصر الخرافي- رحمه الله- صبيحة الأحد الماضي، ولئن كان الخبر مؤلما ومحزنا لمحبيه ومحبي نهجه، فإن عزاءنا الوحيد هو أن أبا مرزوق رحل برأس مرفوع وشأن عال، كما قال أبو فراس الحمداني:

Ad

هو الموت فاختر ما علا لك ذكره فلم يمت الإنسان ما حيي الذكر

وإن متّ فالإنسان لا بد ميّت وإن طالت الأيام وانفسح العمر

لن أتحدث عن إنجازات الراحل في مجال الاقتصاد والأعمال، فهناك من هو أقدر وأعرف مني بهذا الشأن، وإن كنت سأشير إلى إنجاز واحد للراحل في هذا المجال، فهو ما وصلت إليه شركة «زين» تحت إدارة مجموعته من مراتب عالمية عليا، وما حققته من خير كثير لمساهميها على مدى الأعوام الماضية، هذا إضافة إلى اهتمامه بعدد الوظائف التي تخلقها مشاريعه، لاهتمامه بالجانب الإنساني لا العائد المالي فحسب.

لكن ما يهمني هو الإشارة إلى مواقف الرجل الشهمة والشجاعة في ما يخص قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومقاومة العدو الصهيوني، فقد اتخذ مواقفه الواضحة وغير المتأثرة بالطائفية البغيضة، وظل ثابتا عليها حتى آخر رمق في حياته، بالرغم من ازدياد التهييج الطائفي والعنصري مع التوتر الإقليمي الأخير، وعلى يد من يدعون الوصل بالدين والدفاع عن قضايا الأمة، وليس مصادفة أن يكون آخر مقال له تحت عنوان «عيش العزة أو موت الكرام» ليكون مسك الختام في حياة هذه القامة الشامخة، ومؤشرا على قبول الباري عز وجل لأعماله.

فعندما يعود شخص من الحج ويتوفى مباشرة بعد عودته أو أثناء الطريق يقال إن هذه الخاتمة دليل على قبول الحج وصفاء النية، ولهذا أعتقد أن وفاة الراحل بعد أيام من مقالته الأخيرة وبعد سلسلة مقالاته التي سطرها عبر الأشهر والسنوات الماضية هي صك إثبات من الباري عز وجل على صدقه وصفاء نيته في كل كلمة قالها، وليس كما يدعي البعض أن دفاعه عن المقاومة كان من أجل المصالح التجارية، وهو الذي كانت لديه مصالح تجارية ضخمة في مصر إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك العدو اللدود للمقاومة، وكان أجدى له– لو كان يبحث عن مصالحه- أن ينأى بنفسه عن الخوض في السياسة، وتأييد مقاومة لا تحظى بتأييد من حكومات الدول التي لديه مصالح تجارية معها، وكان من الأجدى له أيضا عدم دفع إعلانات مدفوعة الأجر في الصحف الأميركية إبان حرب يوليو 2006 موجها رسالته إلى من كان يسمى بقائد العالم الحر جورج بوش ناشرا فيها صور ضحايا مجازر الصهاينة وسائلا إياه: من الإرهابي الذي يقتل ويبطش بالبشر؟

لهذه المواقف انفتحت قريحة الشاعر الأستاذ عدنان مقدس فاختط قصيدة قبل ثلاثة أيام فقط من وفاة الراحل جاء فيها:

هو هائم في العز حيث الذل إذ يأبى أن يجافي

غربا وإسرائيل نحو الله يسعى لازدلاف

مترقبا كيد العدى والكفر يرصد في اصطفاف

إذ بحر حقد قد طمس فعل الجريمة فيه طافي

أنعم به حقا أخي في الله ناصر الخرافي

أبا مرزوق... عشت عزيزا ورحلت كريما مكرما وليس لي إلا أن أتذكر هذه الأبيات عن الشاعر بهاء الدين زهير:

أرى الباكين فيك معي كثيرا وليس كمن بكى من قد تباكى

فيا من قد نوى سفرا بعيدا متى قل لي رجوعك من نواكا