نتمنى جميعنا أن نتمكن من الإجابة عن السؤالين التاليين: كيف يمكن ألا نكرر الأخطاء السابقة، ولماذا نميل إلى البقاء في الحلقات المفرغة السلبية؟ لكن، قبل أن نشعر بالتحسّن، علينا أولاً أن نفهم ما هو مصدر الإزعاج في حياتنا...

سأل الفيلسوف ديكارت: لماذا نرتكب الأخطاء عينها وثمة أخطاء أخرى كثيرة يمكن ارتكابها؟ يرسم هذا التساؤل الابتسامة على وجوهنا. غير أن غضّ النظر عن العذاب صعب ومؤلم. فلماذا هذا التناقض؟ في الواقع، يكون ثمن التغيير باهظاً الى درجة أن بعض الأشخاص يفضّل البقاء في حالة العذاب المعروف. كذلك، ثمة من يعتزّ بصدماته ويحتفظ بها بدلاً من أن يحاول التخلّص منها، إذ تمنحه صفة الضحية التي تمكّنه من العيش والتصرّف.

Ad

الماضي

لماذا لا نتعلّم من تجربة الآخرين بدلاً من أن نرتكب الأخطاء عينها؟ فمن شأن التجارب التي يمر بها أصدقاؤنا أن تزوّدنا بدروس مهمة كثيرة. فكما قال الفيلسوف الأميركي اللاتيني جورج سنتين: «من لا يستطيع أن يتذكر الماضي قد يكرره». غير أن الواقع مختلف، إذ ينبغي على كل فرد أن يعيش شخصياً التجارب ويشعر بتداعيات أخطائه كي يبتعد عنها لأن الإنسان محكوم بعدم التخلّص من عاداته وبإعادة ارتكاب أخطاء الماضي.

النسيان ضروري

يستفيد كثر من الأخطاء التي اقترفوها ليتقدموا ويزدادوا رشداً. فبالنسبة إليهم، يصح القول المأثور: ما لا يقتلنا يقوّينا. يعتبر هؤلاء الأشخاص أن النسيان ضروري للاستمرار، إذ يشفي الوقت الجروح ويمزج الذكريات الجميلة والمحزنة. ففي الواقع، لا يكرر المرء الأخطاء عينها لأنه نسي أنه ارتكبها في الماضي بل لأن الوقت يجعله ينسى حقيقة تداعياتها المؤلمة. لذا، كي يكون الإنسان سعيداً عليه أن يمحو الماضي ليتمكّن من أن ينطلق مجدداً بشكل أفضل.

للسعادة ثمن

عندما يبقى المرء داخل الحلقات السلبية لسنوات عدة، يصبح إصلاح الأوضاع في حياته أمراً صعباً، إذ يفرض هذا المسعى الغوص في أعماق الوعي واللاوعي. كذلك، يفرض التعبير عن المشاعر السعيدة أو الحزينة التي طالما كانت مدفونة. باختصار، يجب النظر في القضايا الصعبة وطرح الأسئلة المناسبة: لماذا نشعر بأننا في حلقة مفرغة ومن المستحيل الخروج منها؟ ولماذا يصعب علينا التخلّص من بعض الأمور المؤلمة؟ 

حلقات الغرام السامة

يمكن عدم تكرار التجارب السلبية، خصوصاً بعض قصص الحب المؤذية. حاولوا أن تفهموا أسباب فشل قصة حب قديمة قبل التفكير بقصة جديدة واجبروا أنفسكم على إدراك مسؤوليتكم وإعادة النظر في تصرفاتكم وتفكيركم.

الأهداف المتواضعة

نتخذ غالباً قرارات ولا نلتزم بها. والسبب أنها تكون كثيرة ومن الصعب تحقيقها. فكي تخرجوا من الحلقات المفرغة السلبية، عليكم أن تحددوا أهدافاً متواضعة ومعقولة. ومع الوقت، تغيِّر تلك الخطوات الصغيرة حياتكم.

الثقة بالنفس

لتتخلصوا من وضع لا يلائمكم، عزِّزوا ثقتكم بنفسكم من خلال الاهتمام بالذات وتحسين نمط الحياة وتنشيط الذكاء. فالتفكير بوسائل لتطوير الأمور هو بمثابة حوار داخلي يحضّنا على اتخاذ القرارات ويعتبر التصميم عقداً نوقعه مع ذاتنا. وكي تحققوا تلك الأهداف، يستحسن تسمية شخص كصديق أو مدرب أو طبيب نفسي ليكون شاهداً على تصميمكم. فقد يساعدنا هذا الشخص في الالتزام بتعهداتنا كي لا نراوح مكاننا مع مرور السنين. قال غاندي: «غيروا في أنفسكم ما تريدون تغييره من حولكم».

مراحل التغيير

هل تريدون التغيير لتعيشوا حياتكم بتناغم؟ ولكن كيف؟ قد تبدو الخطوة صعبة ولكنها غير مستحيلة. يعود الأمر إليكم وإلى نظامكم الخاص والمحدد والمطبّق يومياً.

نشعر جميعنا في يوم من الأيام بضرورة التغيير. حتى الأثرياء والمحظوظين في الحب يحلمون يوماً بأن يكونوا مختلفين. في حال كان ذلك مجرد حلم بسيط، تبقى طريق حياتهم كما هي من دون منعطفات مهمة. أما في حال كان الشعور منبثقاً من إرادة حقيقية وحاجات ملحة، قد يتحقق الحلم بعد بذل الجهود المناسبة. يقول كاتب فرنسي: «ينبغي أن تقرروا التغيير وتتعهدوا بالقيام بالمستحيل لبلوغ الهدف. ومن ثم، ينبغي الإيمان بأنكم قادرون على التغيير وعند الحاجة إقناع أنفسكم بذلك. ولهذه الغاية عليكم أن تكونوا أولاً واقعيين». فيصعب على المرء أن يحقق تغييرات جذرية وينجزها بين ليلة وضحاها. فالتغيير عملية طويلة وليس برنامجاً أو خطة بسيطة ولهذا السبب يفرض فحص ضمير دقيقاً. لكن لسوء الحظ، ثمة تصرفات قدرية تكون راسية في داخلنا لدرجة أننا لا ننتبه إلى تداعياتها  السلبية على حياتنا، غير أنها في الواقع تعيق أي تقدم إيجابي نريد تحقيقه.

تغيير النظر في الوضع

يعرف كثر الأمور التي يرفضونها ولكنهم يواجهون صعوبات في تحديد ماذا يريدون. ففي مجال الحب مثلاً، نقول غالباً: «يئست من هذه العلاقة» بدلاً من «أحتاج إلى تعزيز التواصل مع حبيبي». والحال نفسها في ما يتعلق بالإحباط المهني والندم على جميع الأصعدة. تكمن المشكلة في أن ردات فعلنا تكون غالباً عاطفية بحتة عندما نشعر بالحزن. فحين لا نحصل على ما نريده، نشعر بالفشل ونستسلم من دون أن ندرك كيف نستطيع بلوغ الشعور بالرضى. وفي معظم الأحيان، نتهم المحيط بدلاً من النظر في طريقتنا بالمضي قدماً وذلك على رغم أن الفشل دليل على ضرورة تغيير سلوكنا. يكمن النجاح في إمكان النظر في الأوضاع من زاوية مختلفة لاكتشاف رغباتنا المدفونة ولرؤية الحقيقة من منظور آخر، غير أننا نمتنع غالباً عن البحث عن زاوية جديدة للتحليل بسبب إيماننا بأن الحقيقة جامدة، وذلك على رغم أن التحول الوحيد في مسيرة التغيير يكون ذلك المتعلق بإدراك الحقيقة. لهذا السبب، تغيير النظر في الأمور مفيد وفاعل.

الاستماع إلى الذات

بدلاً من الانعزال، لم لا تحاولون التدقيق في نقاط قوتكم وفي الطموحات التي تجاهلتموها حتى الآن؟ فلربما تطفو  موهبة أو رغبة أو مشروع لم يحقَّق على الواجهة. كلنا مختلفون لذا تعتبر محاولة توحيد رغباتنا ورغبات محيطنا أمراً خطيراً. وقد يؤدي الأهل دوراً سلبياً جداً في هذا المجال عندما يقررون لأولادهم ما هو مناسب لهم أو يعجبهم، خصوصاً في الحياة المهنية. وكي لا تفوتوا قدركم وحياتكم، من المهم أن تستمعوا إلى الذات. ولهذه الغاية، ينبغي قمع الصوت الداخلي الذي يذكركم بمخاوفكم كلما تحلمون بالتغيير. فحينئذ، تتمكنون من التعبير الحر عن أفكاركم وآرائكم وأحاسيسكم. بالفعل، لا يساعد في اكتشاف الذات والعيش من دون تحفظ سوى الاستقلالية الحقيقية. إضافة إلى ذلك، يجب رصد الأفكار السلبية واستبدال مشاريع فعلية بها في هذا الحوار الداخلي.

التحكم بها

إن كنتم تسعون إلى تغيير دائم وعميق، عليكم أن تكونوا صادقين مع أنفسكم. ويفرض ذلك تحديد ما يردعكم عن التغيير في المرحلة الأولى كالعادات والاهتمام برأي الغير وعدم الثقة بالنفس...  فما هي الطرق التي تساعدنا في تحقيق التغيير وعدم التأثر بالعوامل الرادعة؟ عليكم أولاً أن تتحملوا مسؤولية حياتكم للتحكم بها والانتقال الى مسار النجاح وهذا يعني أنه عليكم تقبل الأمور والتخلص من صدمات الماضي. فكل الذكريات المؤلمة التي نسترجعها دائماً ليست سوى حقائب ثقيلة نحملها فترهقنا وتمنعنا من التركيز الحر بالحاضر وبما نريده في المستقبل. وربما قد نحتاج أحياناً إلى طبيب نفسي يساعدنا في طي صفحة الماضي الأليمة والانطلاق مجدداً بثقة.

البحث عن الحوافز

الحوافز ضرورية للتقدّم والتحرّك. فإن كنتم تسعون إلى التغيير في تصرفاتكم أو في حياتكم، عليكم التفكير ملياً بتداعيات هذا القرار. تساءلوا عن المصالح التي ستستفيدون منها. ومن البديهي أن مبدأ المتعة هو حافز، لذلك تجرأوا على بذل الجهود للوصول إلى حالة السعادة البسيطة. مثلاً، تستطيعون نقل مسكنكم إلى الريف كي تكونوا أقرب من الطبيعة أو تعلم الرسم أو تحقيق ما تحلمون به من دون التجرؤ على تحقيقه. وفي حال كان الأمر يتعلق بإنجاز مشروع كبير كتغيير في الحياة المهنية، لا تتسرعوا بل تصرفوا بتأنٍّ. حددوا أهدافاً دقيقة وفكروا بكل الوسائل الممكنة التي قد تساعدكم في صب جهودكم في المكان الصحيح. أما النصيحة الأخيرة فهي: في كل المجالات، حددوا اهدافكم وكافئوا أنفسكم عندما تنجحون في تحقيقها. ولا تنسوا أن اللذة والمسرة هما محركان فاعلان للحياة والرغبة وبالتالي للتغيير.