في إطار التعاون بين وزارة الثقافة البحرينية و{المؤسسة العربية للدراسات والنشر» في بيروت وعمّان، صدرت ترجمة جديدة لقصيدة «البحار العجوز»، إحدى روائع الشاعر البريطاني صامويل تايلور كولريدج التي كتبها بين عامي 1797 و1798، وترجمها محمد الخزاعي.ليست هذه المرة الأولى التي تُترجم فيها هذه القصيدة الشهيرة، فسبق أن ترجمها عبد الله الطيب بالتعاون مع عمران العاقب بعنوان «الملاح القديم»، لكن لا ندري إن كانت هذه الترجمة متوافرة في المكتبات. على أن الترجمة الأخرى لقصيدة كولريدج والتي لقيت ترحيباً من النقاد كانت للباحث المصري عبد الوهاب المسيري، وقد أتت لتحقّق أبعاداً جمالية ومعرفية. فصدرت في طبعة فاخرة مصحوبة بتسع لوحات تصويرية للفنانة المصرية رباب نمر التي تقدم رؤية تشكيلية للقصيدة. صدرت ترجمة المسيري مصحوبة بالأصل الإنكليزي على هيئة كتاب فني من 108 صفحات، ومرفقةً معه حافظة تضم نسخاً رقمية للوحات التسع بحجمها الأصلي، إضافة إلى دراسة نقدية عن القصيدة. وكان المسيري الذي رحل قبل سنوات قال إن قصيدة الشاعر الإنكليزي «تعبر عن رؤية مسيحية إنسانية تلتقي مع الرؤية الإسلامية الإنسانية» من خلال ملاح يبحر في سفينة تعبر خط الاستواء وتسوقها الأعاصير إلى بلد بارد قريب من القطب الجنوبي، ثم تبحر إلى منطقة استوائية في المحيط الهادي، وخلال الرحلة يقتل الملاح طائر القطرس الأبيض بقسوة، وهو طائر يعتبر رمزاً للتقوى.بعد قتله يبدأ الثأر: «مياه... مياه في كل مكان... واشتعل الماء». ويحمّل البحارة الملاح العجوز الذنب ويعلّقون الطائر الميت في رقبته وهو يقول «آه.. واحسرتاه أية نظرة كريهة- تلك التي سددها لي الكبير والصغير- وبدلاً من الصليب في عنقي - علقوا طائر القطرس الأبيض». في الكارثة، يموت البحارة وتلوح للملاح سفينة ويبدأ التكفير عن ذنبه ويزول أثر اللعنة بانحلال الطائر الذي «ينزل في البحر كالرصاص- فتحرر من عبئه عنقي». كذلك، تحل الروح في البحارة، «لم تكن الأرواح التي عادت إلى أجسام البحارة هي الأرواح التي فرت في ألم- بل كانت حشداً من الأرواح المباركة». يظلّ البحار العجوز وحيداً إلى أن يتوصل الى التوبة ويكتشف قيمة كل شيء حي فيحصل على المغفرة والخلاص، وتمثل هذه القصيدة خلاصة الفكر الإبداعي في أوجه الذي يقول بوحدة الوجود وتمثل الخالق في خلقه. ويعد النقاد هذه القصيدة أفضل وأكمل نص خيالي وإبداعي في الشعر الإنكليزي، وكان الهم الأساس لكولريدج في القصيدة، إضافة الى دفاعه الحار عن الطبيعة وعن الطيور، أن يدخل جديداً الى لغة الشعر.قرآنثمة عوامل كثيرة قيل إن كولريدج تأثر بها أثناء تدوينه قصيدته، لعل أبرزها ما ذكره المسيري الذي لفت الى أن كولريدج كان يقرأ القرآن عندما كتب قصيدته، مشيراً إلى تأثره بالآية القرآنية: «وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه» التي استوحى منها هذه الصورة. كذلك، استعرض النقاد والباحثون الأعمال التي قد يكون كولريدج قد استوحاها لكتابة قصيدته، لكن أحداً لم يذكر حكاية «السندباد البحري»، مع أن ثمة في القصيدة دلائل كثيرة تشير الى أن هذه الحكاية كانت، بدورها، في جذور قصيدة كولريدج بحسب ما يذكر الناقد إبراهيم العريس.سيرةيعتبر الشاعر ت. س. إليوت في كتابه الشهير «الغابة المقدسة» كولريدج أحد أعظم النقاد الإنكليز، وبمعنى ما هو آخرهم، وهو أحد كبار شعراء الحركة الرومانطيقية في إنكلترا، وقد اشتهر بأعماله النثرية في الأدب والدين وتنظيم المجتمع.وُلد في 21 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1772، وكان الإبن العاشر لقس كنيسة القديسة ماري في جنوب إنكلترا. وبعد وفاة والده، أُرسل عام 1872 كطالب مكفول بالصدقات إلى مستشفى المسيح. وقد تميز بذاكرة مذهلة وشغف بنهل المعرفة من العلوم كافة، ما أهّله لأن يصبح أحد طلاب الدراسات الكلاسيكية (اليونانية واللاتينية). كذلك كان ذا مقدرة غير عادية عندما دخل كلية يسوع في جامعة كمبريدج عام 1791. وشعر، كمعظم مثقفي زمانه، بحماسة للثورة الفرنسية فشارك بدور متواضع في احتجاجات الطلاب ضد الحرب على فرنسا عام 1793. ولحاجته وابتلائه بالديون، اضطر الى الالتحاق بسلاح الفرسان في ديسمبر من عام 1793. وبعدما سُرِّح من الخدمة في أبريل 1794 عاد إلى جامعة كمبريدج التي غادرها من دون أن يحصل على شهادة جامعية.تعتبر علاقته مع وليم وشقيقته دوروثي وردزورث أكثر الأحداث تأثيراً في حياة كولريدج، إذ أمضى بجوارهما معظم حياته، من عام 1796 إلى 1810، وكانت صداقته هذه السبب في كتابته «السنة العجيبة» annus mirabilis (يوليو 1797 إلى يوليو 1798) التي بلغت ذروتها بنشره المشترك مع وردزورث المجموعة الشعرية «القصائد الغنائية»Lyrical Ballads التي كانت بمثابة إعلان للحركة الرومانطيقية في سبتمبر عام 1798. ومن بين 19 قصيدة لوردزورث، احتوت المجموعة على أربع فقط لكولريدج إلا أنه كانت من بينها رائعته «البحار العجوز» The Ancient Mariner، التي تعالج موضوعات كالخطيئة والعقاب والخلاص عبر المعاناة وفهم عاطفي للطبيعة.وعُرف عن كولريدج ولعه بالنقاش والجدل مع زملائه، فكانت غرفته بالكلية ملتقى أصدقائه المحبّين للجدل مثله. وإبان إقامته في كمبريدج ظهر اهتمامه بالسياسة وبالتطورات والأفكار السياسية في عصره. وتعرّف في تلك الآونة إلى كثير من الأفكار الثورية ذات النزعة الآلية والمادية، فقرأ كتاب «العدالة السياسية» للفيلسوف الإنكليزي وليام جُدوين، كذلك اهتمّ بكتابات فلاسفة عصر التنوير في فرنسا الذين طرحوا رؤية اختزالية للإنسان، تراه في بعده المادي أو الطبيعي/ المادي وحسب، وترى أن أصل الشر في العالم عوامل خارجة عن إرادة الإنسان مثل البيئة الاجتماعية، وأنه يمكن بالتالي إزالة أسباب الشر والوصول بالإنسان الى الكمال.
توابل - ثقافات
أشعار صامويل تايلور كولريدج... دفاعاً عن الطبيعة والطيور
27-04-2011