أخطأ من اعتقد أن حدود الديمقراطية تقف عند باب قاعة عبدالله السالم... وأخطأ من ظن أن الديمقراطية هي مجرد صناديق اقتراع وانتخابات، ودور انعقاد وفصل تشريعي، وأسئلة برلمانية، واقتراحات برغبة، واستجوابات بمحاور مختلفة، وإقرار قانون، ولجان برلمانية، وتكتلات سياسية، وتوجهات ومطالبات، وعلاقة بين سلطتين. الديمقراطية ياسادة لها مظاهر أخرى كثيرة أهمها ألا تجد من يقمعك لقول رأي، وألا تجد من يضطهدك للإدلاء بتصريح، ولا من يتعقبك لأنك باختصار لست على هواه ولا تبصم بالعشرة، الديمقراطية أن تكون هناك حرية تعبير واختلاف في وجهات النظر مع التحلي بأدب الخلاف، ومن شذ فليذهب إلى محاكمة عادلة تتساوى فيها كفة الخصمين. وعندما وضع الآباء الدستور الذي ننعم بفضله فتحوا لنا أبواب الحرية والتعبير عن الرأي، ورسموا لنا طريق الديمقراطية السليمة والحقة، فلنا جميعا الحق في قول ما نريد وقت ما نريد دون المساس بحرية وكرامة الآخرين، ولنا أن نختلف وأن نعترض وأن نطالب دون قمع من أحد أو اضطهاد أو تعقب.الديمقراطية ليست «بشتا» ولا سترة نرتديها وقتما نشاء وكيفما نشاء، وحسب قياس كل فرد فينا وبلون نختاره بأنفسنا، وهي ليست سيارة نركبها وقتما نشاء ونخرج منها لنسير على أقدامنا حسب هوانا، أي أن الديمقراطية لك وعليك، لها قوانين وقواعد وأسس عليك أن تتبعها وأن ترضى بها شئت أم لم تشأ. حكومتنا الموقرة من الواضح أن لها مفاهيم أخرى للديمقراطية أو أنها تريد ترسيخ أسس وقواعد لديمقراطية جديدة من صنعها، فهي لا تريد أن تسمع سوى المدح وعبارات الإطراء، وضاق سمو الرئيس بالأصوات الأخرى التي ليست على هواه لأنها لم تتوافق مع التطبيل والتهليل الحاصل من مجموعة الجوقة التي اعتادت على مدح الرئيس في كل أفعاله، واعتادت على التطبيل والتزمير وربما الرقص في بعض الأحيان على كل صغيرة وكبيرة، مجسدين مظاهر النفاق بكل معانيه، وأصبحت فرقة «حسب الله» وما تملكه من وسائل إعلام صفراء سواء صحف أو قنوات فضائية أو حتى مواقع إلكترونية هم العازفون لنشيد النفاق الرسمي للحكومة. الممارسات التي تتخذ بحق من عبروا عن رأيهم بكل صراحة ووضوح سواء الكاتب والمحامي محمد عبدالقادر الجاسم أو المحامي عبدالله يحيى أو حتى النائب فيصل المسلم وبعض الكتّاب والنواب الآخرين هي في الحقيقة ممارسات مرفوضة، وإن كان كل من يعبر عن رأي سيسحب إلى المباحث ويعرض للإهانة فهذا ليس من مظاهر الديمقراطية أبدا، ولا هذا ما تربينا عليه ولا ما نادى به دستورنا. صحيح من حقك أن تحيل إلى القضاء، وصحيح من حقك أن ترفض نقدي لك، وصحيح من حقك أن تجد من يدافع عنك، لكن ما يحدث هو حق لم يستخدم في إطاره المناسب، وكنا نتمنى أن يشغل رئيس الحكومة نفسه بالقضايا المهمة كما يشغله تعقب النواب والكتّاب وتسخير محطات فضائية وصحف وكتّاب للدفاع عن الحكومة.للحقيقة ما أراه أن الوضع لا يبشر بخير، ويبدو أن تدريبات الحرس الوطني على مكافحة الشغب أخيرا لها أهداف ربما غير معلنة، لكن أملنا الوحيد أن يتدخل عاشق الديمقراطية سمو أمير البلاد ليضع الأمور في نصابها الصحيح.خارج نطاق الموضوع:بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك نبارك لسمو أمير البلاد وولي عهده حفظهما الله، وللشعب الكويتي الكريم، ونسأل الله أن يحفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
مقالات
ديمقراطية الواق واق!!
30-11-2009