خلال الأشهر الستة الماضية اتسع الشرخ بين المؤسسة الدينية والنظام في إيران بشكل ملحوظ، وقد حصل ذلك تدريجياً لكن بخطى ثابتة، حتى أن أبرز آيات الله المحافظين بدؤوا يبعدون أنفسهم عن الجهتين معاً.

أسس آية الله خميني نظامه الإسلامي بناءً على مفهوم ولاية الفقيه، وهي السلطة الأخلاقية والدينية المطلقة التي يتمتع بها القائد الأعلى بصفته خليفة النبي محمد والأئمة الشيعة المعصومين.

Ad

كان هذا الأساس يهدف إلى تبرير وضمان صمود النظام الذي أنشأه، وفكّر الخميني أن هذه السلطة المطلقة، بمساعدة الله، لا يمكن الفتك بها، لكن مع التطورات الحاصلة في إيران، من الواضح أن الوضع لم يعد كذلك، ولا تقتصر التحديات المطروحة على مستوى شخص القائد فحسب، بل تشمل احتكاره لسلطة الله التي ينسبها إلى نفسه.

لم يتمتع خليفة الخميني، علي خامنئي، يوماً بالسلطة الدينية والأخلاقية التي تمتع بها سلفه، ووصل حجة الإسلام خامنئي، الذي لم يكمل قط الرسالة العملية (وهي توازي أطروحة شهادة الدكتوراه بالنسبة إلى الطلاب الشيعة في مجال الدين)، إلى منصب آية الله الكبير خلال ثلاثة أشهر، وقد بدأ مسيرته بوضع خصمه، آية الله الكبير حسين علي منتظري، تحت الإقامة الجبرية.

أصبح منتظري من جهته أبرز خصم بلاغي بالنسبة إلى خامنئي، علماً أنه عُيّن في السابق خليفة للخميني، وسرعان ما علا صوته المعارض لأن عدداً متزايداً من آيات الله، بمن فيهم رجال دين مرموقون، وجدوا أن الوضع يصعب السكوت عنه بعد الآن.

لقد اتسع الشرخ بين المؤسسة الدينية والنظام بشكل ملحوظ خلال الأشهر الستة الماضية، فحصل ذلك تدريجياً لكن بخطى ثابتة، حتى أن أبرز آيات الله المحافظين بدؤوا يبعدون أنفسهم عن الجهتين معاً.

في الشهر الماضي، أقدم آية الله الكبير جافادي أمولي الذي يؤدي صلاة الجمعة في مدينة قم على إعلان استقالته، فعبر في التصريح الذي أدلاه لإعلان تنحيه، عن استيائه لأن القائد الأعلى لا يعطي آذاناً صاغية لما يُقال: «حين يعبّر إمام صلاة الجمعة عن المشاكل التي يواجهها الشعب وتُحلّ تلك المشاكل، يدلّ ذلك على أنه أحسن التعبير عنها، لكن إذا لم تُحلّ المشاكل المطروحة، يعني ذلك أنه لم ينجح في مهمته».

في عظة أخرى أُلقيت حديثاً، أدان آية الله رضا أوستادي، إمام صلاة الجمعة في مدينة قم المقدسة «التطرف في دعم القائد الأعلى»، أي التكتيك القمعي الذي يعتمده النظام لفرض سلطة خامنئي، ردّاً على هذا الموقف، شنّ أحد مساعدي الرئيس محمود أحمدي نجاد هجوماً شفهياً على رجل الدين الكبير. لكن أصدر لا يقل عن 19 عضواً من أبرز المراجع الدينية في مدينة قم رسالة مفتوحة دعماً لزميلهم.

في شهر يونيو الماضي، وبعد فترة قصيرة من لجوء النظام إلى أعمال العنف لمواجهة المظاهرات السلمية الأولى، ظهر مقطع فيديو على موقع «يوتيوب» لآية الله الكبير علي محمد دستغيب، أعلى مرجع ديني في مدينة فارس. في هذا الفيديو، وصف آية الله القائد الأعلى صراحةً بالمرتد الذي يجب ألا تحل عليه رحمة الله. أدى هذا الخطاب الجريء إلى إغلاق مسجده وإلى الاعتداء على مكتبه ومنزله مرات عدة، كما مُنع من إلقاء الخطب العلنية، لكن وقع رسالته لايزال يضج في أرجاء البلاد.

في مقطع آخر على موقع «يوتيوب»، تجرأ آية الله شيرازي، الذي ينتمي إلى إحدى أبرز العائلات الدينية في الطائفة الشيعية المسلمة، على اعتبار خامنئي «أسوأ من يزيد»، في إشارة إلى شخصية تاريخية تجسّد الشيطان بالنسبة إلى الشيعة. قتلت جيوش يزيد الحسين، حفيد النبي محمد وأهم إمام شيعي يحيي الشيعة ذكراه يوم عاشوراء، مع أن وقت تنزيل مقطع الفيديو على الموقع ليس معروفاً، لكن مضمونه واضح وضوح الشمس: لم يعد خامنئي يمثل الإسلام، بل أصبح يُعتبر معادياً للإيمان الحقيقي. ختم شيرازي ملاحظاته بالصلاة ليتلقى خامنئي أقسى عقاب في يوم الدينونة.

ثبتت أهمية ملاحظات شيرازي يوم المظاهرات الحاشدة، في 27 ديسمبر، الذي تزامن مع ذكرى عاشوراء، أي الذكرى السنوية لمقتل الحسين. قُتل تسعة أشخاص على الأقل في ذلك اليوم، وجُرح عدد غير معروف من المتظاهرين، وأُلقي القبض على أكثر 1100 شخص في طهران وحدها. أدت هذه الأعمال الوحشية في ذلك اليوم المقدس إلى تزايد الشبه بين القائد الأعلى ويزيد في نظر الكثيرين.

يبقى تعيين شخص يمثل سلطة الله أساس هذا الجدل القائم. نعت آية الله عباس فايز تاباسي، أحد ممثلي خامنئي الأكثر فساداً، قادة المعارضة بأعداء الله ورأى ضرورة الحكم عليهم بالموت. في المقابل، وصف مهدي كروبي، رجل دين متوسط المستوى وأحد قادة المعارضة، الهجوم الذي طال المتظاهرين يوم عاشوراء بـ»خطيئة لا تُغتفَر».

سواء كان القائد الأعلى يشبه يزيد أم لم يكن كذلك، من الواضح أن السلطة الأخلاقية التي يتحلى بها هذا الأخير بدأت تتلاشى. نتيجةً لذلك، يبدو الأساس الذي بُنيت عليه الجمهورية الإسلامية أضعف من أي وقت مضى. ها هو الشعب الإيراني، بالإضافة إلى رجال الدين، يبتعدون عن النظام الذي لا يمثّل لا الشعب على الأرض ولا الله في السماء.

* بومز، نائب رئيس مركز الحرية في الشرق الأوسط وأحد مؤسسي موقع Cyber Dissident.org- وآريا، ناشط إيراني وعضو في الحزب الدستوري الإيراني.