ترتكز المقالة التي كتبها توماس هيمز (صحيفة «لو موند» بتاريخ 17 و18 يناير) على الفكرة الداروينية النموذجية: فتطور الكائنات الحية على الأرض اليوم انطلاقاً من سلفها المشترك ما كان ممكناً لولا اجتماع عدد كبير من الحوادث العشوائية. لذلك نستنتج أن احتمال رؤية عملية التطوّر نفسها مجدداً، لا على الأرض فحسب بل في الفضاء الخارجي أيضاً، والوصول إلى النتيجة نفسها شبه معدومين.من هنا ينتقد هيمز (بشكل طريف) كاميرون لأنه أوحى للآخرين بأن بنى الكائنات الحية «لا تتبدل مطلقاً وتتكاثر بقوة أينما تظهر الحياة مجدداً». غير أن بعض أحدث الأبحاث في مجال التطوّر يسير في هذا الاتجاه تحديداً. في هذا الإطار، لا يتردد سيمون كونواي موريس، أحد أكبر الاختصاصيين راهناً في علم الحفريات وأستاذ علم الحفريات في جامعة كامبريدج، في أن يكتب: «ظهرت الثدييات والقردة من خلال مسارات تاريخية معينة. لكن في هذه الحالات (وفي حالات كثيرة أخرى) تشير مختلف عمليات التقارب بين الثدييات والقردة إلى أن الأشكال المعقدة التي أفضت إليها هذه العمليات لم تأتِ بكل بساطة نتيجة أحداث محلية وعشوائية، على رغم أن لكل منها قصة فريدة. نتيجة لذلك، أعتقد بأننا سنجد على أي كوكب آخر يتمتع بخصائص مماثلة حيوانات تشبه إلى حدّ كبير الثدييات، وثدييات تشبه إلى حد كبير القردة. لن تكون مطابقة لها تماماً، إنما مشابهة وربما مشابهة لدرجة مذهلة». لا شك في أن الحوادث غير المتوقعة والصدف تؤدي دوراً في عملية التطور، لكن الفكرة الرئيسة في هذه المقاربة الجديدة تكمن في أن هذه الحوادث والصدف توجَّه بطريقة تجعل من التطور أمراً قد يتكرر ويمكن توقّعه إلى حد كبير.يُقال أحياناً إننا ما كنا لنأتي إلى الوجود لو لم يقضِ نيزك على الديناصورات. لكن في هذه الحال، كان عصر جليدي سيحل ويقضي على الحيوانات الكبيرة ذات الدم البارد ويؤمن ظروفاً مؤاتية للحيوانات الصغيرة ذات الدم الحار، سامحاً لكائنات مثلنا بالظهور يوماً ما.فضلاً عن فكرة الصدف الموجهة، ينبغي التفكير في آليات أخرى لتفسير ميل التطور إلى إعادة إنتاج بنى متطابقة على رغم الحوادث العشوائية.على الطرف النقيض من التطوّر الذي قد يحصل بشكل أساسي من خلال الانتقاء الطبيعي، تظهر فكرة التطوّر الذي يتأثر بقوانين الطبيعة. وهذا ما يبرّر إمكان حصول عملية التطور نفسها على كواكب مختلفة ابتداءً من اللحظة التي تتوافر فيها ظروف فيزيائية وكيماوية مشابهة.من المستحيل معرفة أي فرضية هي الأكثر مصداقية ما دمنا لا نستطيع درس إلا أشكال الحياة المنبثقة من كوكب واحد وفريد. لكن في هذا المجال تحديداً، تمدنا مجموعة من النتائج الحديثة، المنشورة في مجلات علمية بارزة على غرار Science et Nature، بعناصر تؤيد فكرة التطور الذي يستند إلى قوانين الطبيعة لا إلى الانتقاء الطبيعي وحده، على رغم أن هذه النتائج تفتقر إلى البراهين الدامغة.من خلال دراسة حالات التقارب الموجودة على الأرض من جهة (أي حالات يتوصّل فيها التطور إلى نتائج مشابهة بسبل مختلفة) والإثبات من جهة أخرى أن عدد السبل التي يتبعها التطور أقل مما هو متوقع، نتوصّل إلى خلاصات ما كان بالإمكان تخيّلها قبل 5 سنوات: فوجود عدد صغير من السُبل المحتملة يعني أن احتمال تكرّر التطوّر أكبر مما نعتقده عموماً، ويمكن حتى توقعه.إذاً، بخلاف ما يؤكّده توماس هيمز، يتحدّى التقدّم الذي حققه علم الأحياء فكرة أن التكيّف والصدف يشكّلان العاملين الأساسيين في عملية التطوّر.يمكننا حتى أن ننتقد كاميرون بطريقة فكاهية لأنه لم يدحض بعمق فكرة الحوادث العشوائية ويدافع بقوة عن تطور قابل للتكرار ويمكن توقعه. فلدى حيوانات باندورا 6 قوائم، في حين أننا إذا استندنا إلى أبحاث فينسنت فلوري (باحث في المركز الوطني للأبحاث العلمية)، نلاحظ وجود منطق ما وقيود عدة لتشكّل الفقاريات الأرضية ذات القوائم الأربع، لذلك ثمة احتمال كبير أن تظهر الكائنات الرباعية القوائم في باندورا أو في أي كوكب آخر.يرتبط هذا المفهوم الجديد، الذي يُسمى البنيوية، بأفكار علماء عدة كانوا يؤمنون بالتطوّر، مع أنهم بعضهم سبق داروين، ومنهم جيفري سانت هيلير.أعاد ستيفن جاي غولد في أحد أعماله الاعتبار لهذا التيار الفكري الذي يقدّم لنا بديلاً عن الداروينية وعن «التصميم الذكي» في آن.لكن ثمة نقطة مشتركة بين هاتين المقاربتين، على رغم تعارضهما، تتمثل في اعتبارهما الكائنات الحية بنى عشوائية شكّلها «الساعاتي الأعمى» أو الانتقاء الطبيعي بحسب مؤيدي نظرية داروين (كتاب ريتشارد داوكينز بعنوان l>horloger aveugle) أو مصمم في «التصميم الذكي». في المقابل، تعتبر البنيوية الكائنات الحية ضرورية. وبنيتها العامة محددة في قوانين الطبيعة. وكما هي الحال مع بلورات الثلج التي تملك دائماً 6 تفرعات بغض النظر عن ظروف تشكلها، تظهر الأنواع الكبرى للكائنات الحية مجدداً أينما توافرت الظروف الفيزيائية والكيماوية التي تسمح بذلك.تقدم لنا هذه النظرة الجديدة إلى الحياة، التي تنسجم مع أفكار قديمة، سبيلاً ثالثاً قد يفضي إلى اكتشافات جديدة.
توابل - Movies
Avatar... اللاداروينيّة الرائدة لجيمس كاميرون
05-02-2010