يحكى أنه في قديم الزمان وفي بلاد بعيدة بعيدة، هي طبعا وأكيد ليست الكويت، ولا حتى الكوت، ولا بلد في الخليج أو البحر أو المحيط، كان يعيش جحا المهرج الألعوبان، المنافق الجوعان، الوصولي التعبان، ويحكى أن جحا كان من عامة الشعب ولكن طموحاته كانت كبيرة، فتعرف على متنفذين كانوا له محبين، نظراً لطرافته، ولأنه يُضحكهم وقت الكرب، فكانوا يتهافتون عليه من كل صوب وحدب.

Ad

وفي يوم من الأيام، جلس جحا إلى أحد المتنفذين فقال له يا سيدي المتنفذ، هل أنت لي منفقذ؟ فقال المتنفذ للمهرج جحا: سل يا جحا «أعطيك»، ومما وهبني العاطي أراضيك... فقال جحا: يا سيدي هل لي في منصب شعبي أكون لك فيه عونا وأساعدك على ما أنت فيه وأكون أخا وابنا؟ فقال المتنفذ: ماذا تقصد يا جحا؟ فقال جحا: هل لي بالنيابة، وأقصد هنا عضوية البرلمان، وأعدك أن أكون لك من الإخوان... وأطارد أي جبان، ولن يكون في بلادنا جوعان ولا حتى شبعان، وهنا هز المتنفذ رأسه ونادى على الخادم كومار وأمر بصب الشاي والقهوة العربية لشهبندر التجار الذي قطع حديث جحا مع المتنفذ، وكأنه جاء ليقطع على جحا خلوته، ويمنعه من تحقيق حلمه ورغبته.

ولكن لأن الله أراد، فسعى المتنفذ وبرعاية الشهبندر لوصول جحا إلى القبة، فرشحاه عن دائرة العزبة، ونجح جحا بالأغلبية نتيجة كلامه المعسول، والفعل ليس ملزما للقول، ودخل جحا البرلمان، ونال الثقة بالحجة والبرهان، وفي يوم من الأيام وبينما جحا في مجلسه جالس، وعن يمينه ويساره المنافقون، وأصحاب المصالح والمستضعفون، دخل رجل طويل، شعره كثيف، وثوبه حرير، وعينه جاحظة وجبهته عريضة، وأسنانه ناصعة، ولسانه واضح أنه طويل، وأنفه معكوفة، وكلماته مصفوفة، فقال يا أيها النائب: هل لي أن أحدثك عن أمر بعيد عن مجلسك، فقال جحا المهرج، النائب المجرب، قل ما عندك يا هذا فكلهم إخوان، ولو ما كانوا ما جلسوا عندي، فأصر الرجل على طلبه فطلب جحا من الحضور الانصراف ليرى ما يريد هذا الضيف الغريب، ولما انفرد الرجل بجحا قال له يا أيها النائب، لي عندك طلب أرسلني فيه رأس كبير، ويعرض عليك أخذ مبلغ كبير لتسانده ولتكون من المؤيدين وتمنع المعارضين، ولأن جحا نائب نزيه، فقد وافق بشروط نعرفها في مقال قادم مع النائب جحا وطرائفه في البرلمان.