نخلط غالباً بين مشاعر الغيرة والتسلّط، على رغم أنهما مفهومان مختلفان تماماً. تتعلق الغيرة بالاضطرابات العصبية وبقلق شديد من التعرّض للخيانة. أما التسلّط، فهو أيضاً نوع من الاضطرابات العصبية، لكنه يتعلق تحديداً بالحاجة إلى امتلاك الآخر. يكمن الفرق بين المفهومين في أنّ الغيرة شعور تلقائي يُسقَط على الآخر، بينما يشير التسلط إلى وجود خلل في العلاقة مع الآخرين. لكن ينخلط الشعوران غالباً حين يشعر المرء بالغيرة من علاقات الشريك السابقة ويجعل حياته مستحيلة. يحصل الأمر نفسه حين لا تحتمل المرأة فكرة أنّ زوجها أحبّ قبلها.

قد تعاني المرأة، تماماً مثل الرجل، من مشكلة الغيرة، لكنّ بطريقة أعنف. لا تكون هذه الغيرة مشكلة مزمنة بالضرورة: قد تترافق مع نوبات غضب عارمة بسبب بعض المواقف المشبوهة. لكن غالباً، يندم الشخص الغيور على تصرفاته ونوباته العصبية غير المسؤولة.

Ad

أنواع الغيرة

ثمة ثلاثة أنواع رئيسة من الغيرة بحسب أطباء النفس:

• غيرة وجودية: غيرة مفيدة بالنسبة إلى الشخص الغيور. يستفيد الأخير من هذه التجربة للتعرف إلى نفسه بشكل أفضل وتطوير شخصيته.

• غيرة عصبية: شعور اندفاعي لا يستطيع الشخص الغيور تجنّبه، فيصبح مهووساً بالغيرة التي لا تبارح تفكيره، لكنّ مشاعره لا تتّخذ شكلاً عنيفاً.

• غيرة نفسية: مرض نفسي خطير لأنه يطاول المصابين بالخوف المرضي والقلق والتعجرف. في هذه الحالات، تصبح الغيرة مصدر إزعاج فعلي وقد تتخذ شكلاً عنيفاً.

أحد أشكال القلق

بالنسبة إلى الزوج الغيور، تصبح أي حادثة مناسبة لإحداث فضيحة وتضخيم الأمور لأنه يتخيّل زوجته مع شخص آخر، فيغضب من أي نظرة تتلقاها ويتفحّص باستمرار أبسط حركاتها وأفعالها. تكثر الأمثلة على حالات مماثلة لأنها شائعة في مجتمعاتنا. تقضي الغيرة إذاً بتخيّل مواقف وعلاقات وتصرفات خاصة بالحبيب مع أشخاص آخرين. إنها عملية «إسقاط» رغبة داخلية على الشريك.

{إسقاط» لرغبات دفينة

كلّ ما ينسبه الشخص الغيور إلى الشريك عبارة عن «إسقاط» رغبة شخصية لاوعية. في هذه الحالة، يكون الزوج الغيور ضحية رغباته اللاوعية المتعلقة بالخيانة. وهذه الرغبات الاندفاعية متكررة وطبيعية، لكن لا يجب الخلط بين الرغبة بحدّ ذاتها وتحقيقها. في حال إدراك خصائص هذا الاندفاع مباشرةً، سيواجه المرء الغيور صدمة قوية جداً، فلا يبقى أمامه إلا حلّ إسقاط رغباته اللاواعية على الآخرين. أخيراً، تعكس جميع الاتهامات الموجّهة إلى الشريك اندفاعاً شخصياً داخلياً. تعطي طبيعة هذا الإسقاط وترجمته على أرض الواقع مؤشرات على أصل هذا الدافع الداخلي.

لا يوجد نوع واحد من الغيرة، بل أشكال متعددة منها تتمثّل بغيرة الزوج بسبب فكرة خيانة الشريك له. تكون هذه الخيانة على درجات متفاوتة، أي تكفي نظرة بسيطة لإثارة فضيحة كبرى، إذ تفيض التخيلات في عقل الشخص الغيور.

على صعيد آخر، حين تشعر المرأة بالغيرة من حبيبات زوجها السابقات، يعني ذلك أنها تحنّ بدرجة معيّنة إلى حبيبها السابق. بما أنّ المرأة تشعر بشكل لاواعٍ بمشاعر مضطربة حين تفكّر بالحبيب السابق، فهي تفترض أنّ زوجها يشعر بالمثل.

تقبّل الواقع

لا ينجح الجميع في إدراك جوانب الغيرة هذه. ينفي الزوج غيرته من جهة لأنه لا يستطيع الاعتراف بأنّ تصرّفاته تحكمها رغباته الدفينة. غير أنّ السعي إلى إدراك ما يحصل يساهم في ترسيخ استقرار العلاقة الزوجية. من المفيد أن يتساءل الشخص الغيور عن السبب الذي يفسّر حاجته إلى الغيرة وعن أصل الرغبات التي يسقطها على الشريك. تساهم هذه المقاربة في تحسين العلاقة الثنائية وإخراج المشاعر الدفينة التي لا تتعلق أساساً بالخوف من الخيانة.

يجب أن يدرك الجميع أنّ الغيرة في العلاقة الزوجية تنعكس سلباً على الزوج والزوجة في آن. لذا يُعتبر الحوار عاملاً مهماً لمحاولة تفهّم الوضع وتقبّله أو رفضه. لكن في بعض الحالات، تتخذ الغيرة شكلاً خطيراً: إنها الغيرة المرضيّة، المزمنة، العنيفة. لا غنى في هذه الحالة عن الاستشارة الطبية. أما إذا رفض هذا الخيار، فتصل العلاقة الزوجية إلى طريق مسدود. وفقاً لدراسة نفسية كندية، يصنّف علماء النفس عامل الغيرة كثاني أبرز مشكلة من بين المشاكل الزوجية.

أهمية الاستشارة الطبية

لمواجهة الغيرة المرضيّة، لا غنى عن الاستشارة الطبية. في بعض الحالات، من المفيد أن يخضع الزوجان معاً لعلاج نفسي، لكنّ هذا الخيار يتطلّب خطوات تمهيدية عدة. يمكن هزم الغيرة ببساطة شرط أن يتسلح الشخص المعني بالإرادة القوية وأن يجمع الحب القوي بين الزوجين. أحياناً، يكون الحب أقوى من الغيرة!

كيف يمكن التعايش مع شخص غيور؟

صحيح أنّ الشخص الغيور يعيش معاناةً كبيرة، لكنه يتسبب أيضاً بتعاسة شريكه، ما يحوّل العلاقة الزوجية إلى كابوس حقيقي. في الحياة اليومية، حتى لو كانت تصرفات الشخص الغيور أصعب من أن يتحمّلها أحد، يجب أن يحرص من حوله على عدم استفزازه من خلال تجنّب القيام بتلميحات وعبارات سلبية قد تزعجه. على العكس من ذلك، يجب منحه شعوراً بالاطمئنان وكسب ثقته والتأكيد على الحب الذي يجمع بين الطرفين. لكن يجب أن يدرك الطرف الآخر أنّ أبسط العبارات قد تولّد فيه مشاعر الغيرة. لكن لا يعني ذلك الرضوخ لنزواته لأنّ الشخص الغيور يسعى إلى كبح حرية شريكه والسيطرة عليه.

تخطي الغيرة الشخصية

في حال كنت أنت الشخص الغيور، وكانت غيرتك تتعلق تحديداً بعلاقات الشريك السابقة، لا مفرّ من القيام بتقييم ذاتي لاستخراج ما في الأعماق ومعالجة المشكلة. إذا كنت تشعر بالغيرة، يعني ذلك أنك لا تثق بنفسك وأنك تخشى الخسارة. قد يرجع السبب في ذلك أيضاً إلى سلوك الشريك المشبوه في حياته اليومية.

أولاً، يجب استعادة الثقة بالنفس لأنّها هي التي تولّد الثقة بالآخرين. ثانياً، لا بدّ من التحاور مع الشريك لشرح المخاوف والشكوك التي تساورك والشعور بالاطمئنان. يجب أن تقتنع بأنّ وجود الشريك معك يعني أنه يجد فيك مزايا يحبّها وأنه تخلّى عن علاقاته السابقة لأنه اكتشف خللاً فيها، ما منع العلاقة من الاستمرار.

يوصي أطباء النفس المرضى بالتساؤل عن سبب الانزعاج والمعاناة في مواقف معيّنة. قلّةٌ من الناس يطبّقون ذلك لأنهم يشعرون بالعار أو الانزعاج، لكنها خطوة مهمة لتحسين نوعية الخيارات المتّخذة يوماً بعد يوم.

إعلم أيضاً أنّ الحب الموجع ليس حبّاً على الإطلاق. أجمل أنواع الحبّ هي تلك العلاقة التي ترتكز على الثقة والتسامح والتحاور والتعامل بالمثل. إذا توافرت هذه العوامل، تصبح الحياة أجمل!