1. الروح من الغيبيات التي حيرت علماء الماضي والحاضر وستحير علماء المستقبل أيضاً، لأنها من الأمور التي احتفظ الله عز وجل بماهيتها في علم الغيب عنده، ويظهر ذلك جلياً في خطاب المولى عز وجل لنبيه الكريم (صلى الله عليه وسلم) من خلال قوله تعالى «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» (الإسراء: 85، ورغم ذلك ظل وسيظل العلماء خاصة في الغرب من غير المسلمين يبحثون عن ماهية الروح، والتي اجتهد في معرفتها علماء الإسلام أيضاً، ولكنهم وضعوا لأنفسهم سقفاً إيمانياً من منطلق أن هناك دلائل قرآنية قد تدل عليها يأخذون بها ويجتهدون، فالاجتهاد من مبادئ الإسلام.

يقول د. محمد أبو ليلة (رئيس قسم الدراسات الإسلامية باللغة الإنكليزية بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفكر بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية): الروح من الأمور الخمسة التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، إذ يقول جل علاه «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً» (الإسراء: 85)، والمعنى العلمي لهذه الآية أن الروح أمر يصعب على البشر أن يفهموه لأنه أكبر من علمهم وعقولهم، ومهما أوتي الإنسان من العلم لن يفهم حقيقة الروح، وهذا هو السر في هذا الرد المقتضب حتى لا يقع الناس في البلبلة والظنون وينشغلون عن الدعوة الجديدة بأمور فلسفية وقد ذهب المفسرون بعد ذلك إلى تفاسير شتى، فمنهم من قالوا إن هذا الرد معناه نهي المسلمين عن الدراسة والعلم بهذه القضية، بينما ذهب الأكثرية بأنها لم تنص على القول «قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي» بل نصت «مِنْ أَمْرِ رَبِّي» والفارق بينهما كبير وواضح، ومن هنا فلم يتوقف علماء المسلمين عن الكتابة والدراسة في قضية الروح.

Ad

يضيف أبو ليلة: الله تعالى أخفى السر الحقيقي للروح وجعلها من الغيبيات لحكمة إلهية لا يعلمها إلا هو، ولكن أيضاً لم يترك القرآن الكريم الناس يتخبطون في بحور الظلمات، فوصف لهم طرق الخلق والموتة الأولى وهي النوم وخروج الروح إلى بارئها بالموت... إلخ، وذلك لترسيخ الإيمان في نفوس المسلمين، ولو أن علماء الغرب الذين شغلوا أنفسهم سنوات طويلة للبحث عن ماهية الروح وسر الحياة نظروا إلى آية سورة الإسراء التي ذكرناها لتيقنوا أن ماهية الروح وسر الحياة هما من علم الله تعالى، ولوفروا على أنفسهم عناء البحث والتكلفة والوقت والجهد، فالقرآن يأمرنا أن نسير في الأرض لنكشف بداية الحياة فقط، أي أنه يمكن لنا أن نتعرف على بداية نشوء الحياة، وهذا بالفعل ما وجده العلماء، فقد بدأوا رحلة البحث عن نشوء الكون ووصلوا إلى نتائج مبهرة، ولكن جميع المحاولات التي تهدف إلى صنع خلية حية أو تقليد الحياة أو محاكاتها، باءت وستبوء بالفشل، تماماً مثل الأبحاث التي تهدف إلى إطالة عمر الإنسان، فقد خرج العلماء أخيراً بنتيجة مهمة ألا وهي أن الموت هو النهاية الطبيعية للأحياء، وأن كل محاولة لإطالة عمر الإنسان تسير عكس الطبيعة، وأن المرض الوحيد الذي لا يمكن علاجه هو الهرم، وهنا نتساءل: أليس هذا ما حدثنا عنه الحبيب الأعظم بقوله «ما وضع الله من داء إلا وضع له الشفاء إلا داءً واحداً الهرم».

ويقول د. عبدالهادي مصباح (أستاذ المناعة بجامعة تمبل الأميركية) إن الروح لها صفة من صفات الله وهي الخلود‏، وهذا معناه أن روح الإنسان لا تنتهي بانتهاء الجسد وموته‏، لكنها تنتقل من الحياة الأرضية إلى حياة عالم البرزخ‏، وفي يوم القيامة تعود الأرواح إلى الأجساد بعد النفخ في الصور‏، ويقوم الناس أحياء يبصرون قال تعالى «ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون» (الزمر:68‏) وقد جاءت النصوص لتدل على أن الروح تنفخ في الجنين من ضمن مراحل خلقه‏، كما أخبرتنا أنها تقبض وتنزع‏، وبما أن الله عز وجل يأمر الملك بأن ينفخ الروح في جسم مادي، وهو جسم الإنسان إذاً فالروح عبارة عن طاقة وليست مادة‏، لأن المادة لا تستطيع أن تخترق مادة‏، وبما أن المولى عز وجل وصف نفسه بالنور «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»‏ (النور:35)، وهو سبحانه ينفخ من روحه في بني آدم‏، إذاً فإن هذه الروح عبارة عن طاقة تولد مجالاً كهرومغناطيسياً يوجد في داخل الإنسان‏، ويكون شكل هذه الطاقة مماثلاً لشكل الجسم المادي للإنسان‏، ويعتقد البعض أن للإنسان لحظة ميلاده جسدين‏: جسد مادي‏:‏ وهو الجسد المادي المرئي في حياتنا‏، ويكون في الأرض فقط‏، ويحمل مقومات وسر الحياة منذ الخلق الأول حسب إرادة الخالق عز وجل‏، و‏جسد أثيري‏:‏ لطيف وشفاف وهو مطابق للجسم المادي‏ وترافقه الروح والعقل‏‏ ويكون في الأرض‏، ويتصل هذان الجسدان بعضهما ببعض اتصالاً وثيقاً طوال الحياة الأرضية عن طريق ما يسمي الحبل الفضي‏، وينفصل هذان الجسمان في حالتين، انفصال مؤقت في حالات النوم والغيبوبة «اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الزمر: 42)، وبذلك تتحرر الروح أثناء النوم‏، وتخرج من قيود الجسد التي تحد من قدرتها وإمكاناتها لتدخل حالة الوفاة‏، وهي حالة خاصة يظهر فيها من وقت لآخر ما لتلك الروح من قدرات يختفي معها حاجز الزمان والمكان‏، فهي تستطيع أن تستقبل ما لا يدركه الإنسان بحواسه المعروفة، وانفصال تام وذلك بموت الإنسان،‏‏ ولقد حدثنا الله عز وجل أنه وكَّل بعض ملائكته بقبض أرواح العباد «قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكّل بكم» (السجدة:11).