حامد بن عقيل شاعر وناقد سعودي بارز، يطرح في كتبه مواضيع اشكالية وسجالية في العالم مثل قضية الارهاب والقراءة وما يدور حولهما، وله رأيه الخاص في هذا المجال عبر تأويل بعض النصوص التي يقرأها.معه الحوار التالي. لماذا اختيار كتاب بعينه للحديث عن «إله التدمير»، هل لهذا الكتاب رمزية معينة في مسارك الثقافي؟لا نيّة لديَّ للاحتفاء بكتاب معين لمؤلف بعينه، ولا نوايا للقيام بتبرير الاختيار بعد صدور أي عملٍ نقدي لي. بدءا بـ«فقه الفوضى» ومروراً بـ«عصر القارئ» وانتهاء بـ«إله التدمير»، كل نص اخترته لنقده كنتُ أجد فيه ما يعينني على مشروعي النقدي ممثلاً في تحويل النقد من التنظير إلى التطبيق، كما وجدتُ في النصوص التي درستها نقدياً إمكانية للقول. هذا كل شيء، سواء حول {إله التدمير} أو ما سبقه من كتب.في رأيك هل الإرهاب نتاج النص الديني أم له علاقة بالبيئة الاجتماعية أم بالصراع بين الأديان أو الحضارات؟إنه إرث ثقيل، وكلما تقدم بنا الزمن سيزداد الإرهاب بعيداً عن النص الديني وبعيداً عن صراع الحضارات والأديان. أعني أن الأديان في شكلها البدائي، أو في نصوصها الأصلية، لا علاقة لها بالإرهاب ولا تُحرض على القتل. المشكلة في تأويلات خطابات الأديان الأصلية التي أنتجت «كنائس خاصة» و{فرقاً خاصة» تتوافق وأهواء من يقومون بعمليات التأويل وبعمليات انتخاب ذات أهداف يمارسونها على الخطاب الأصلي بما يتوافق مع احتياجاتهم وأفكارهم لضمان قيام عملية تقديس داخل مجموعة يريدون أن تنقاد لهم من دون أي مراجعة، وهذه العملية قائمة على أدلجة الجماهير بتقديم نص على آخر وتغييب نص مقابل إبراز آخر. الإرهاب صناعة معقدة من أهم مقومات نشوئها واستمراريتها اعتمادها على التلاعب بالخطابات الدينية الأصلية، ما يجعل فصلها عن الدين مسألة تحتاج إلى بصيرة نافذة.هل نحن في حاجة إلى إعادة النظر في قيمنا التربوية داخل العائلة، أم في النصوص الدينية التي باتت في نظر باحثين كثيرين جوهر المشكلة؟في «فقه الفوضى» ثم في «إله التدمير» قلتُ إننا في حاجة إلى العودة إلى النصوص الأصلية؛ ليس من خلال أعين الأئمة الأربعة، أو أي من علماء السلف الصالح، بل عبر أعين علمائنا الآن بعد أن يتخلصوا من أي تأثير سبَّبه العلماء المتقدمين لعلماء الدين الآن والذين أسميهم بالحفّاظ.حين يضع الشافعي فقهين مختلفين لأنه تنقّل بين مصرين مختلفين، هذا يدلنا على أن فقه أي مصر لا يمكن أن ينفع آخر، بالتالي فقه أي زمن لا يمكن أن يصلح لزمن آخر. ألف وأربعمائة عام تفصلنا عن الخطابات الأصلية، وهي فترة طويلة جدّاً جعلت من العسير فرز كل ما قيل ضمن دائرة الفقه الإسلامي ما جعل الفقه جامداً. لا بد من العودة إلى النصوص الأصلية لنجد طريقنا في هذا العصر بعد أن نتجاوز عمليات التقديس كافة التي تمت منذ عصر بني أمية وحتى اليوم، ولنتخلص من عمليات الانتخاب الفقهي الذي جعل من الدين مجرد مجموعة خطابات خاصة خاضعة لآراء فقهاء عصر ما في ضوء أهدافهم الخاصة. بهذا نكون أعدنا النظر في قيمنا التربوية وفي النصوص الدينية المحجوبة عنّا بفعل التأويلات اللاحقة لها.عندما لا نبادر بفعل ذلك سنصل إلى طريق مسدود، ونستمر في اختلاق خطابات خاصة تزيد ثِقل فقهنا، بالتالي من عجزه عن أن يحقق للناس ما يأملون على الأرض، وربما خذلهم أيضاً بعد موتهم!هل المجتمع العربي والإسلامي في حاجة إلى أسئلة أم إجابات في هذا العصر؟السؤال، لأنه يعني أننا نسير وفق تصور قرآني يحض على التفكير، بينما لا تعني لي الإجابات أكثر من إغلاق باب التفكير. الإجابة كانت، ولا تزال، طريقة القيمين على عمليات التقديس لحراسة طوائفهم الخاصة وتعبئة الناس من دون وعي بالإيمان المطلق بها. من يقترف السؤال ينجو من أن يكون قنبلة موقوتة قابلة للانفجار متى أراد من يملك الإجابات القطعية تحقيق مصالحه الخاصة.ما تفسيرك لنزوع شخصيات تربت في مجتمع حداثوي إذا جاز التعبير إلى الإرهاب؟ لنقل إن بعض المشاركين في أحداث 11 أيلول كان من رواد الملاهي الليلة والسكر أو من المهندسين.ما تشير إليه قد يكون بمثابة تغطية. في «إله التدمير» أشرتُ إلى أن معتنقي الأفكار الأصولية المتطرفة يرون أن أي وسيلة مبررة في سبيل بلوغ غاياتهم. إنهم لا يختلفون كثيراً عن الطوائف الإسلامية الكبرى، فهم ينتخبون خطاباتهم الخاصة ويمارسون عمليات التقديس من خلال نصوص دينية تُنتخب من خطاب الدين الأصلي ويخفون ما لا يناسبهم منها أو يجرّمونه في حال كان خطاباً مطلقاً لأنهم يجعلونه خاصاً بزمن أو حدث خاص لا يتوافق مع زمنهم، بذلك صار لديهم من يقوم بالفتوى التي تبيح سرقة أموال الدولة وتكفير المجتمعً. الإرهابيون فئة مضت بعيداً في صناعة فرقتها الخاصة إلى درجة أنها استقلت «بإله خاص» لا يأمر إلا بالتضليل والتدمير في سبيل تحقيق غاياتها!هل يمكننا اعتبار أن الإرهاب نتاج صدمة المسلمين بالحداثة والمجتمع الغربي؟ذكرتُ في {إله التدمير} أن ثمة أسباباً ظاهرة متعددة لنشوء الإرهاب، لكن نشأته وأسباب وجوده الظاهرية لا تلغي أن له آليات بنائه الخاصة لخدمة أهداف تغيب عن وعينا، لأن كل ظاهرة إرهابية تستحق الدراسة المستقلة لأسباب نشوئها وآليات عملها. كذلك أشرتُ إلى أن الإرهاب، بعمومه، عبارة عن دائرة من يدخلها يصعب أن يخرج منها، فممارسات بعض الدول تجاه شعوب بعينها تبرر إيجاد خلايا مقاومة لا تلبث أن تفرز كوادرها ليشكلوا طائفتها الخاصة، هذه الطائفة التي ستقاومها الدولُ مجدداً لتعود هي لممارسة نشاطاتها وهكذا. هي دائرة تجد حاجة لدى كوادرها إلى النصوص الدينية لتحقيق أهدافها. بالنسبة إلى العالم الإسلامي، لا أعتقد بوجود صدمة حداثة ولا انبهار بالمجتمع الغربي، فكوننا أمّة تستهلك ما ينتجه الآخر لا يدل إلا على عدم وعينا بما تعنيه الحداثة أصلاً. المسلمون أمة قوامها جماهير احتجاجية سلبية لا تعرف ما تريد، وحين تعرضها على مقياس ما وصلت إليه الأمم المتحضرة تجدها لم تستوعب ما وصل إليه الآخرون، أما حين تعرضها على مقياس فقهنا القديم تجدها اعتزلته رغماً عنها لأنها وجدتْ أنه لا يخدمها في حياتها العامة بعد أن قصره العلماء على كتاب الطهارة وتفصيلات الصلاة والصيام وغيرها من العبادات فحسب.هل يمكن «تجميل» النصوص الدينية الإسلامية إلى حد «تأتلف» مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان أم أن الأمر يبدو مستحيلاً؟أستغرب سؤالك هذا. الأمر ليس في حاجة إلى إيجاد فقه توفيقي، أو طأطأة الرأس إلى حين مرور العاصفة! مشكلتنا ليست في النصوص الأصلية/ الخطاب الديني الأصلي، لأنه خطاب يكفل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وحتى العلمانية، والأخيرة، إذا عزلناها عما أحاط بها من سوء فهم في عالمنا الإسلامي لن نجدها تتعارض مع الدين أي «الخطاب الأصلي: القرآن والسنة»، لأن العلمانية لا تعني أكثر من تحييد الدولة في ما يخص الشأن الديني، ولا تعني بالضرورة رفض الحكم بما أنزل الله أو في المقابل خلط المفاهيم واستخدامها في خطابات عاطفية تخدم أغراضها الخاصة داخل كل طائفة «تستخدم» الدين، لأن الدين هو أكثر الطرق فاعلية في قيادة المجتمعات والطوائف والأفراد.ألن تكون مراجعة الفقه الإسلامي هي الحل؟لا. لدينا دين إسلامي مختلف كلياً عما جاء به الرسول. ما يحدث مع جميع الأديان يشبه المتاهة الهرمسية، مثلاً ثمة مجموعة أصلية تليها مجموعات ذات علاقة تتناقص بالتدريج، لنفترض أن لدينا مجموعة عددية مكونة من (1-2-3)، تليها مجموعة ثانية تشابهها في عنصرين هما من المجموعة الأصلية (2-3-4)، ثم مجموعة ثالثة مكونة من عنصرين من المجموعة الثانية ومن عنصر وحيد من المجموعة الأولى (3-4-5)، ثم مجموعة رابعة (4-5-6). ستلاحظ أن اشتراك المجموعة الرابعة مع المجموعتين السابقتين في بعض العناصر لا يلغي حقيقة أن هذه المجموعة خرجت كلياً عن المجموعة الأولى في جميع عناصرها. صحيح أن الأمر تسلسلي، وعبارة عن مجموعة أعداد ذات نمط ثابت في التطور، لكن المجموعة الرابعة لن تكون سوى تأويلات لا علاقة لها بالمجموعة الأولى الممثلة للأصل سوى في المسمى.أي مراجعة للفقه الإسلامي بمثابة تضليل جديد تولد من خلاله تأويلات جديدة تتسبب في خلافات تنتج منها طوائف جديدة تزيد ثِقل الفقه الإسلامي وبالتالي عجزه. لا بد من العودة إلى النصوص الأصلية (1-2-3) والعمل عليها مجدداً لاستنباط فقه جديد يناسب عصرنا.يقول البعض إنه من خلال تأويل النصوص الدينية يمكن جعلها معاصرة، في المقابل يعتبر آخرون التأويل «مراوغة» تراوح مكانها فالنص الديني جامد ولا يتزحزح. ما رأيك؟منذ بداية الحوار كنتُ أفهم أن سؤالك عن النصوص الدينية يعني خطابات الدين الأصلية، فبالنسبة إلي ما يتلو الخطاب الأصلي ليس أكثر من تأويلات واجتهادات فقهية جاءت لتشكيل طوائف خاصة في زمن خاص وفق أهداف وظروف خاصة. لذا نحن في حاجة إلى العودة إلى النص الديني الأصلي والعمل على إنتاج فقهنا الخاص لهذا الزمن الذي نحيا فيه والمكتنز بالتحولات والصراعات. هذا الطوفان المعرفي الذي نعيشه اليوم وبكل ما وصل إليه الفكر الإنساني من تطور لا بد من أن يساهم في تشكيل وعي جديد لدينا لتحسين فهمنا لنصوصنا الدينية الأصلية، بالتالي استنباط أحكام فقهية جديدة ومرنة تعيد ثقة الناس في صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان، وتُحسِّن فهمهم لقدرته على التعايش مع الأمم والطوائف كافة ضمن تراث إنساني عام.لماذا لم تتطرق إلى بعض الروايات او السير الأخرى التي تتطرق إلى الإرهاب مثل رواية «آلموت» لفلاديمير بارتول التي تتحدث عن شخصية حسن الصباح التي تُعتبر «رمز» الإرهاب الأول في التاريخ، وثمة كتابات الروائي الروسي دوستويفسكي؟لم أطلع على رواية ألموت، ولا على روايات دوستويفسكي. إضافة إلى أن نص «الإرهابي20» كان كافياً جداً للتعبير عن قناعاتي تجاه نشوء ظاهرة الإرهاب وآليات عملها في المجتمع السعودي.هل نحن في عصر القارئ أم في زمن القراءة السطحية، خصوصاً مع طوفان الشبكة العنكبوتية، وكان بعض الكتاب أشار سابقاً إلى «موت القارئ» بالمعنى النفسي؟افتراضاً، نحن في «عصر القارئ»، لكن الواقع يقول إننا في زمن القراءة السطحية، إن كان ثمَّة قراءة أصلاً، وليس للشبكة العنكبوتية أي دور في ذلك، بل على العكس، أراها زادت فرص ميل الإنسان العربي إلى القراءة ومطالعة الجديد. تكمن مشكلتنا في المناهج المدرسية التي تشبه فقهنا الإسلامي، فلا هي تلبي احتياجات المواطن الفعلية، ولا قادرة على التجديد لأنها تُقدِّم مخاوفها وأوهامها على الانفتاح على الثقافات الأخرى. هذا كله في ما يتعلق بفعل القراءة عموماً، لكن إن كان الباعث على سؤالك كتابي «عصر القارئ» فإنني تناولت فيه القراءة بوصفها القدرة على التواصل مع النصوص الأدبية الحديثة، بالتالي بقية النصوص الدينية والتاريخية والفقهية، من خلال نظرية التأويل أو نظريات جمالية التلقي.هذه الآليات شبه معدومة لدى القارئ العربي أيضاً بسبب المؤسسات التعليمية والتربوية التي بقيت تُدرس طلابها آليات تلقي النصوص التقليدية من فنون البلاغة العربية كعلم البيان وعلم المعاني وعلم البديع، بينما رأت في النظريات النقدية الحديثة رجساً من عمل الشيطان، وهو ما خلق القطيعة الواضحة بين كاتب النص الأدبي الحديث وبين القارئ، فأصبح كُتـَّاب النصوص الحديثة هم من يتلقاها فحسب.إلى أين يصل القارئ في العالم العربي. ألا تشعر أنه يصطدم بحراس النصوص المقدسة، خصوصاً أن الرقابة والفقهاء يمارسون سطوتهم؟الحديث عن الرقابة الآن يُعتبر مضيعةً للوقت. انتهت الرقابة فعلياً، أو لم تعد مُجدية. أشرتُ في «إله التدمير» إلى أربع من آليات تلقي الثقافة وإدارتها في أي بلد من العالم، وقلت إن هذه الأنظمة الأربعة هي: الشمولي والتعددي والأبوي والنظام الحمائي، وشرحت طريقة عمل كل نظام منها. هذه الأنظمة يمكن إسقاطها على نماذج مختلفة من التعاطي الذي تمارسه الدول نحو «وجود» الثقافة داخل حدودها، ويمكن التمثيل بأسماء محددة لهذه الدول من خلال إدارتها لثنائية وجود الثقافة داخلها: المضامين، والوسائط. إلا أن النموذج الأهم بالنسبة إلينا في السعودية هو النمط الأبوي، أي الذي يحتكر وسائط إيصال الثقافة ولا يطارد رسمياً وظاهرياً المضامين ممثلة في مبدعيها، وقلتُ إن «السعودية»، وربما الأوطان العربية كافة، في اعتمادها على النظام «الأبوي» لا تهتم بالمبدع لأنها لا تطارده، بل تحتكر الوسائط للسيطرة على ما تريد إيصاله أو منعه، وهنا يتضح أنها تهتم بالمستهلك / القارئ من خلال الوصاية الأبوية عليه.طبعاً، هذا النظام الأبوي، في ظل استحالة الرقابة الآن، سيتحول إلى نظام آخر، أو أنه سيضطر إلى إشاعة المعرفة من دون قيدٍ أو شرط. لن يبقى لحراس «التأويلات» المقدسة، وليس النصوص المقدسة، إلا أقل القليل إذا لم تتغير طريقتهم في تقديم أنفسهم بوصفهم ممثل الخطاب الرسمي الموجه نحو العامة الوحيد، لأن الخطاب الرسمي هشّ بسبب اعتماده على المسلمات والوعظ والوصايا الأخلاقية الداعمة لسيادة الدولة وليست الداعية إلى المُثل الإنسانية العليا كالحريات والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون.في رأيك، لماذا انجذاب الجمهور العربي إلى قراءة نص بعينه؟ظاهرة «بنات الرياض» تُجيب عن سؤالك، إضافة إلى ما تبعها من تهافت «نقاد» كانوا كباراً قبل سقوطهم المدوي. الجمهور العربي مستهلك سلبي يسهل توجيهه والتأثير فيه والإيحاء له بأي فكرة، ينطبق ذلك على جميع اختياراته التي ليس أولها الكتاب الذي يقرأه، ولن يكون آخرها الأفكار التي يتبناها من دون وعي منه. عندما كتبتُ في «إله التدمير» عن المواهب القاتلة وطرق صناعتها طبقتُ عليها العشر طرق التي يستخدمها علم النفس للتأثير في مُستهدفيه، ووجدت جميع الطرق العشر مبسوطة في «الإرهابي 20» بتوسُّع. مواطننا العربي خاضع جدّاً لآليات الاستدخال والاستدماج النفسية المطبقة عليه من المؤسسات الدينية ومؤسسات الإعلام والمؤسسات التربوية، لهذا تصعب الإجابة عن سؤالك، لأنني هنا أتحدث عن جماهير احتجاجية سلبية تربّت وفق عقلية «القطيع» وفي غياب تام لتنمية العقل الناقد، فمن يختار بإرادته الحرة هو الأقدر على النقد، أما الاحتجاجي السلبي فلن تجده أكثر من مُنقاد بالضرورة.
توابل
الشاعر والناقد السعوديّ حامد بن عقيل: الجمهور العربيّ مستهلك سلبيّ يسهل توجيهه
05-11-2009