أعود لأكتب عن «صويلحين» ولا أدري لماذا نبشت صفحته من كتاب الذكريات مرة أخرى، فقد ذكرته في مقال بـ«القبس» بأنه ذلك الضعيف العقل والفقير الأسود البشرة، الذي كان يجوب سكيك منطقة شرق في خمسينيات القرن الماضي، يتجول بالأحياء الضيقة حاملاً راديو كبيراً، ولا أذكر أن الراديو كان يعمل على البطارية...! كان يمشي سيراً بنعال مهترئة، حاملاً ذلك الثقل الكبير من شرق إلى الدمنة، وهي السالمية حالياً، وكان يطرق بيوت منطقة الشرق، ومنها بيتنا الصغير، وكنا نصفق مبتهجين لحركات الشقلبة البهلوانية التي كان يؤديها «صويلحين» رغم تفاهتها، لكنها في وعينا الصغير كانت «شو» متكاملاً في لاس فيغاس أرواحنا.

Ad

«صويلحين» واسمه الحقيقي «صالح» وينادونه كثيراً بنعت «صلوح العبده» وأخبروني في ما بعد أنه كان ضحية اعتداءات جنسية من أشقياء الفريج... كان يحني يديه ويترك شماغه الأحمر الملطخ بالأوساخ منسدلاً على كتفيه مقلِّداً تسريحة هند رستم حين كانت مارلين مونرو السينما المصرية... وذكرت لي شقيقتي الكبيرة أن «صويلحين» في أحد الأيام جاءنا مهرولاً يلهث من التعب وطرق الباب وسألها ما إذا كان في البيت سيارة «جيب»؟ فاستفسرت منه شقيقتي ماذا يريد من سيارة «الجيب»؟ فقال إنه يريد تفكيكها لكي يعيد تركيبها من جديد...! وأقطع أنها فكرة عظيمة لقتل الملل...

لا أعرف لماذا أكتب ثانية عن «صويلحين»... هل أفلست من الفكرة؟... ربما... أو ربما ذكَّرني بحكاية تفكيك الجيب تكرار مشاهدتي لعمليات تكسير الشوارع والأرصفة في منطقتنا، ثم إعادة تركيبها، لينتعش سوق المقاولات، وتجري الأموال ساخنة في جيوب المقاولين، وفي دماء الدولة بالتبعية، ويتحرك اقتصاد الدولة في النهاية، اقتصاد صلوح العبده...

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة