منذ مئات السنين والعالم أجمع يستمتع باستقاء الحِكَم والفوائد من اليونان القديمة في شتى المجالات، فالحضارة التي نشأت في هذا البلد الأوروبي الصغير كان لها عظيم الأثر في تقدم ورقي البشر في مختلف أصقاع الأرض.فها هو فيثاغورس يمدنا بأصول الرياضيات، أما أرسطو وأفلاطون فمازالا مرجعين لمحبي الفلسفة الأوائل، وبالكاد تخلو مكتبة طبية حديثة من إبداعات أبقراط في مجال الطب. هذا بالطبع غيض من فيض، فاليونان القديمة كانت منبعا لمختلف أنواع العلوم ومدرسة تاريخية قَلّ من يجهل تأثيرها في وقتنا الحاضر.ورغم انقطاع المد العلمي والثقافي لهذه الحضارة العريقة، فإن اليونان الحديثة تعود اليوم لتضرب لنا مثالا صارخا وحكمة قيّمة، لكنها ليست حكمة في أيِّ من العلوم والثقافات السابقة، بل في الاقتصاد.ولكونها تفتقر اليوم إلى أمثال العظماء كأرسطو وفيثاغورس وأبقراط، فلم تجد اليونان غير أن تكون هي نفسها حكمة وعبرة! نعم، فاليونان اليوم تُسطّر اسمها بأحرف من دم وهي ترزح تحت وطأة الديون التي مزقت اقتصادها شر تمزيق، وصارت شوارعها تعج بالمتظاهرين المقهورين من عجز الدولة عن التخلص من الديون التي أثقلت كاهلها، وأرغمت شعبها على التقشف والادخار "الإجباري"، وها هم كبار الساسة اليونانيين يترقبون بقلوب واجفة قرارات الاتحاد الأوروبي أملاً في إنقاذهم من محنتهم الحالية.وكما هي حالنا مع العلوم اليونانية القديمة، فمن الواجب أن نأخذ العبرة من اليونان الحديثة، وذلك بالإدارة السليمة لأموالنا الشخصية، ومن أهم مبادئ هذه الإدارة التعامل بحذر مع الديون وعدم المبالغة في الاعتماد عليها خصوصا بالنسبة إلى الأفراد، بل إني لا أبالغ حين أنادي جميع الأفراد على اختلاف مستوياتهم المادية بتجنب الديون بكل أشكالها، الصغيرة منها والكبيرة، التقليدية والإسلامية، الاستهلاكية والشخصية، ولا أستثني في هذا الأمر سوى الدَّين الخاص بالسكن، لضرورته الخاصة ولكن بشرط التأكد من القدرة التامة على سداده في موعده المحدد.فائدة أخرى لا يجب إغفالها من وضع اليونان الاقتصادي الحالي، وهي أهمية الادخار، خصوصا إذا كان هذا الادخار اختياريا وبصورة مدروسة، فهو السبيل الأمثل لتماسك الجبهة الاقتصادية الداخلية للأفراد في مواجهة الأزمات الاقتصادية التي تهدد الجميع.faisalkarkari@gmail.com
اقتصاد
رأي: حِكَم اليونان
12-05-2010