أكدت الشريعة الإسلامية حقَّ الجار وإشعاره بالأمن والأمان وحفظ عوراته، وعندما بلغت الشريعة مبلغها في حفظ حقوق الجار ظن النبي، صلى الله عليه وسلم، أن الإسلام سيعطي الجار حق الإرث في مال جاره حتى إن الرسول الكريم قال «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».

ويعرّف الدكتور أبوسريع عبدالهادي (أستاذ الفقه المقارن في جامعة الأزهر) الجار بأنه من يدخل في حدود الجوار التي تعارف عليها الناس، فالجار إما أن يربطه بجاره حد المكان الثابت البعيد أو القريب نسبياً وهو ما عرفه القرآن بـ»الجار الجنب»، وإما أن يكون المحدد بين الجار وأخيه السفر أو الصناعة وهو ما عرفه القرآن بـ»الصاحب بالجنب»، أي جار السفر والصناعة والعمل والسوق والمدرسة، فهذا الأخير له كل الحقوق والواجبات التي أوصت بها الشريعة للجار الجنب، فيحرم ماله وعرضه بل يجب الحفاظ على أمنه وتبليغه مأمنه وإطعامه عند القحط «الجوع» وسقايته عند الظمأ.

Ad

يضيف د. عبدالهادي: «حق الجار لا يقتصر على المسلم فقط بل يمتد إلى غير المسلم يهودياً كان أو مسيحياً أو غيره، مستنداً في ذلك إلى أن كل الأدلة التي جاءت بحق الجار أدلة عامة لم تحدد إن كان هذا الجار مسلماً أو كافراً، منها قول المصطفى، صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه». فالجار هنا عام لم يخصص.

يقول الشيخ شوقي عبداللطيف (وكيل وزارة الأوقاف المصرية لشؤون الخطباء): «إن من أعظم الحقوق التي كفلها الإسلام للجار هو كف الأذى، لأن الجار مؤتمن على حياة جاره، ومازلنا حتى الآن نعطي الجار حق دخول المنزل والخروج منه دون ريبة منه أو خوف».

وفي هذا السياق قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل مَنْ يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه».

أيضاً على الجار أن يتفقد جاره وأن يقضي حوائجه، فقد كان كل الصحابة – رضي الله عنهم – يتفقدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم حتى إن الهدية تأتي الواحد منهم فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر... وهكذا تدور على أكثر من عشرة حتى ترجع إلى الأول.

ولما ذبح عبدالله بن عمر رضي الله عنه شاة قال لغلامه: إذا سلخت فأبدأ بجارنا اليهودي.

من جانبه أعرب الشيخ محمد الراوي (عضو مجمع البحوث الإسلامية) عن استغرابه ما يشهده الواقع المعاصر من تقطيع لأواصر الصداقة التي من أهمها الجيرة، بالرغم من أن العصر الحديث هو عصر تكنولوجيا الاتصالات، فأعظم اكتشافات العصر الحديث تدور حول الاتصال، ما يعني أن سؤال الجار عن أخيه الجار أصبح متيسراً، لكن الواقع يشهد خلاف ذلك.

وأكد أن الإنسان سيحاسَب على التقصير في حق جاره وقلة السؤال من باب التقصير، معبراً عن حزنه لأن البعض استغل وسائل الاتصال الحديثة كالهواتف لا للسؤال عن الجار بل لانتهاك حرمته والعبث بخصوصيته. وألقى الراوي باللوم في هذا الشأن على الدعاة والخطباء الذين يجهلون في كثير من الأحيان ربط الحال بالمقال، فالواجب عليهم أن يحثوا العباد على استخدام هذه الوسائل بشكل طيب، كالتواصل بين العباد لاسيما الجيران عبر هذه الوسائل وتبادل الآراء الطيبة والسؤال عن الأحوال وهكذا، وإن هذا الأمر من باب الصدقات العينية.

ويضيف: «أقول لنساء المسلمين اتقين الله في بعضكن، فلا تتباغضن ولا يغتب بعضكن بعضاً، فأنتن مبعث النور الذي يستضيء منه الأبناء، فاحفظن عشيرتكن «جيرانكن» فلا تحقروهن ولا تسبوهن لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لاَ تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ». فإذا طبخت امرأة طعاماً فعليها أن تطعم جارتها، وعلى الجارة أن تشارك جارتها في السراء والضراء، وأن تحب الخير لها وأن تبتسم في وجهها، وإذا غابت ترعى بهائمها وتحفظ أبناءها.