بتنا كدولة وشعب نتميز في تحويل النعم إلى نقم، ولا ينافسنا أحد في إفراغ الإنجازات والأحداث والمناسبات من معانيها ونتفنن في إبراز جوانبها السلبية، فالديمقراطية جعنا الناس تكفر بها، والدستور جعلناه حبراً على ورق بالتعدي على مبادئه، وموارد النفط الفائضة نتفنن في تبذيرها في ما لا ينفع ولا يدوم، وغيرها أمثلة كثيرة آخرها ذكرى كل من العيد الوطني وعيد التحرير الأسبوع الماضي، فما إن عدنا إلى قراءة الصحف بعد العطلة حتى بشرتنا بالإحصاءات الرسمية لحركة المنافذ والحوادث والمخالفات المرورية أثناء العطلة لتبين لنا ما بلغته أعيادنا الوطنية من حزن وأسى، فالمنافذ شهدت مغادرة ربع مليون شخص (وأنا منهم) آثروا قضاء عطلة الأعياد الوطنية خارج الكويت، فيما سجلت في العطلة 11 حالة وفاة من جراء حوادث مرورية (ضمن 77 ضحية حوادث مرورية خلال شهري يناير وفبراير فقط)، وحررت 14 ألف مخالفة وحجزت 800 سيارة ودراجة، وتقارير أخرى عن إصابات شهدتها المستشفيات.

Ad

ماذا بقي للأعياد الوطنية من معنى إذا لم يجد الناس ما يدعوهم للاحتفال في الكويت، وإن اختاروا البقاء فيها فذلك يعرضهم للإصابة والموت؟ كيف أوصلنا الكويت دولة الاستقلال والديمقراطية والتحرير إلى زمن لا تجد من يحتفل بأعيادها من أبنائها بل يفضلون السفر، وزمن يسافر فيه كبار مسؤوليها غير عابئين بالرسالة السلبية الناتجة عن غيابهم «في إجازة خاصة» بدلاً من مشاركة المواطنين احتفالهم، وزمن يموت فيه الناس بسبب الاحتفال بالعيد الوطني؟

لقد كتب الكثيرون عن ظواهر إساءة الاحتفال واستهتار الشوارع واستخدام الرغوة والألعاب النارية في إيذاء الناس، ومعظمهم وضع اللوم على وزارتي الداخلية والتجارة لأنهما تساهلتا في ضبط الشوارع وبيع الرغوة والألعاب النارية، وهو لوم في غير محله، حيث إن ذلك للأسف استمرار للنهج الخاطئ بحل المشاكل من نافذة أعراضها ونتائجها بدلاً من بحث أسبابها، وكأن تحرير المخالفات وحظر الرغوة سيمنعان الناس من الالتفاف حولهما وابتكار أساليب أخرى لإساءة الاحتفال.

لا ألوم الناس في اختيارهم التمتع بالعطلة خارج الكويت، بل ألوم الدولة التي باتت تخلو من الكرنفالات والمهرجانات والحفلات والمسرحيات والموسيقى والمباريات والحرية والراحة التي يقصدها الناس في الخارج، ولا ألوم الناس إن اختاروا الاحتفال بفوضوية، فهم بالفوضى يملؤون فراغاً صنعه غياب القانون والنظام والتخطيط والإبداع. لا يجب أن تكون هذه الإحصاءات مجرد خبر للنشر وننتظر حتى العام القادم لنراها تتضخم، إذ يجب البدء بإزالة أسباب هروب الناس من وطنهم في أعياده ولجوئهم إلى الفوضى والاستهتار إن بقوا فيه.

Dessert

لأعياد العام القادم دلالة تاريخية بمناسبة اليوبيل الذهبي للاستقلال والذكرى العشرين للتحرير، ومفترض أن يكون احتفالنا فيهما في مستوى تاريخيتهما، ففي الدول التي تحترم تاريخها يتم التخطيط لها مسبقاً، فما خطط حكومتنا ومؤسسات المجتمع؟ أم سنكتفي بـ«هلا فبراير» التعيس وأراجوزات بوجوه ملونة في شارع سالم المبارك؟

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة