قبل سنة، ألقى الرئيس أوباما خطاباً طال انتظاره في القاهرة بمصر، وعد فيه "ببداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم، بداية تستند إلى المصالح المشتركة والاحترام المتبادل"، لكن في الأسبوع الماضي، بدت هذه البداية الجديدة بعيدة جداً فيما عبّر المسلمون عن غضبهم حيال دعم الولايات المتحدة الظاهري للهجوم البحري الذي قامت به فرق الكوماندوز الإسرائيلية على أسطول مساعدات في طريقه إلى غزة، لذلك لم يكن محض مصادفة أن تمر ذكرى خطاب أوباما مرور الكرام تقريباً في وسائل الإعلام العربية، باستثناء بضعة تعليقات حول الوعود غير المنجزة ونوع من المقارنة بين تلك اللحظة الرائعة ورد الولايات المتحدة الضعيف تجاه حادثة أسطول غزة.

في مؤتمر صحفي، صرّح روبرت غيبس، الناطق باسم الرئيس، أنه لا يعتقد أن الموقف الأميركي سيؤثر إلى حد كبير في علاقة أوباما بالمجتمعات المسلمة في العالم، لكن ذلك أبعد ما يكون عن الواقع، وإذا لم تبدّل إدارة أوباما مقاربتها الحذرة بسرعة وتتعامل بحزم مع الحصار المفروض على غزة، الذي يُعتبر الجوهر الحقيقي لفضيحة الأسبوع الماضي، فستثبت صحة القصة المتبلورة عن رئيس لا يستطيع الوفاء بوعوده أو لم يعنِ ما قاله، وستكون هذه النهاية الحزينة لانفتاح على العالم المسلم غذاه أوباما بعناية.

Ad

منذ الأيام الأولى لهذه الادارة، ركّزت على الحاجة إلى إصلاح العلاقات الأميركية مع المسلمين الذين يتخطى عددهم المليار حول العالم والذين يتقاسمون، رغم اختلافهم الكبيرة، رابطاً دينياً مشتركاً وتوصلوا بأغلبيتهم إلى الاعتقاد أن الولايات المتحدة على حرب مع الإسلام.

في هذا الإطار، تخلى أوباما عن لغة "الحرب على الإرهاب" ليحرم المجموعات المتطرفة العنيفة، على غرار تنظيم القاعدة، فرصة تحديد علاقة الولايات المتحدة بالمسلمين في العالم، ولم تعتبر الإدارة ذلك أمراً ثانوياً، بل حاجة استراتيجية ملحة للفوز بالحرب ضد تنظيم القاعدة واستعادة الولايات المتحدة مكانتها حول العالم.

برزت الأولوية التي منحتها الولايات المتحدة للانفتاح على المسلمين في خطاب الرئيس أوباما في القاهرة، وتطرق خطاب "البداية الجديدة" هذا بشكل مباشر إلى مواضع الخلاف الأهم: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإيران، والتطرف العنيف، وحقوق المرأة، والديمقراطية وحقوق الإنسان. وأقرّ أوباما بضرورة التعاطي المباشر مع هذه المسائل الخلافية السياسية، في حال أراد الحصول على فرصة للإدلاء برأيه بشأن التعاون في مسائل تربطهم فيها مصلحة مشتركة، وقد راهن الرئيس بذكاء على أن التحاور باحترام ووضوح حول مسائل سياسية كهذه سيفتح الباب أمام الحوار الإيجابي في مجالات قد تُبنى فيها علاقة قوية تستمر طويلاً، منها تعزيز الاندماج في مجالات التعليم، والتنمية الاقتصادية، والعلم والتكنولوجيا.

رحّب المسلمون حول العالم بخطاب الرئيس، فقد كانوا تواقين إلى بداية جديدة بعد عهد إدارة بوش، التي ترسخت منذ وقت طويل آراؤهم السلبية فيها، ويُظهر استطلاع أجرته مجموعة غالوب أن عدد الأشخاص الراضين عن أداء رئاسة الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 22 في المئة في موريتانيا، و13 في المئة في الأراضي الفلسطينية، و12 في المئة في مصر بين شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار) من عام ،2009 وخلال الأشهر التي تلت مباشرة خطاب القاهرة.

بيد أن التوقعات العالية التي نماها خطاب أوباما في القاهرة أدت إلى رد فعل سلبي عندما لم يتحقق منها على الفور إلا برامج قليلة. فخلال أشهر، بدأ يعلو التذمر من فشل الولايات المتحدة في ربط أقوالها بالأفعال، وما أثار استياء البيت الأبيض حقاً تركيز المسلمين على فشل الولايات المتحدة في إرغام اسرائيل على تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية أكثر منه على الدعوة إلى علاقة جديدة واسعة النطاق بين الولايات المتحدة والمجتمعات المسلمة في العالم. ولا عجب في ذلك، فكما اعترف أوباما نفسه بوضوح عندما قرر إعطاء هذه المسألة الأولوية في القاهرة، اعتبر المسلمين والعرب طوال عقود الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الاختبار الحاسم للحكم على مصداقية الولايات المتحدة ونواياها. لذلك، إن ظن البيت الأبيض أن الجهود التي يبذلها في سبيل الانفتاح يمكن أن تستمر وكأن مأساة أسطول غزة لم تحصل، فهو إذن لم يتعلم أي درس من نزاعاته الصيف الماضي.

بدأت الإدارة أخيراً الوفاء بالوعود التي قطعتها في القاهرة، مع أن ذلك قلما يحظى باهتمام كبير، فقد أنشأت مجموعة جديدة من الشركات الأميركية للتشارك مع نظيراتها في الدول ذات الأكثرية المسلمة، وفي محاولة للترويج لفرص اقتصادية جديدة، استضافت 250 رجل أعمال مسلماً من أنحاء العالم كافة في قمة للريادة في مجال الأعمال، كذلك أرسلت موفدين في مجال العلوم إلى الدول ذات الأكثرية المسلمة وخططت لإنشاء مراكز للتميّز العلمي حول العالم، وتواصل أيضاً عملية انسحابها من العراق، وتخلت عن التعذيب وعن لغة "الحرب على الإرهاب".

 فضلاً عن ذلك، لجأت إلى وسائل الإعلام الاجتماعية لتشكّل شبكات تستند إلى المصالح المشتركة، خصوصا بين الشبان غير الراضين الذين يؤلفون شريحة واسعة من سكان العالم المسلم.

لكن هذه المساعي ناضلت لتحظى بالاهتمام، بما أن المسلمين مازالوا يميلون إلى التركيز على المسائل السياسية البارزة. ويعزى ذلك في جزء منه إلى الاهتمام المحدود الذي توليه وسائل الإعلام لمبادرات مماثلة، ولا شك أن العجز عن تحقيق أي تقدم نحو عقد اتفاق سلام في الشرق الأوسط وإغلاق سجن غونتنامو، وكثرة التقارير عن اللجوء إلى هجمات بطائرات من دون طيار في بلدان مسلمة، على غرار باكستان واليمن، غذّت الرواية عن أن أوباما لم يغير أموراً كثيرة على الرغم من خطابه الجذاب. وعلى مدى شهور، ساد إحساس واضح بأن فقاعة أوباما قد انفجرت، فتظهر استطلاعات غالوب أن معدلات التأييد تراجعت بين فبراير (شباط) وأبريل (نيسان) من هذا العام بنسبة 9 في المئة في موريتانيا، و4 في المئة في الأراضي الفلسطينية، و18 في المئة في مصر.

إذن، تهدد أزمة أسطول غزة طموحات الرئيس أكثر بكثير مما تعترف به إدارته، ففي ردها الأولي، سارعت الولايات المتحدة تلقائياً إلى دعم إسرائيل بوجه النقد الدولي شبه الشامل للحصار الذي تفرضه على غزة وهجومها على أسطول المساعدات، فولّد ردها هذا موجة من الغضب العارم، ومن المرجح أن الشبكات الجديدة القائمة على المصالح المشتركة، والتي تُعتبر مهمة جداً في رؤية الإدارة الأميركية، ستتفكك في مواجهة الخلافات السياسية الحادة.

وإذا كان أوباما متمسكاً حقيقةً بإعادة بناء العلاقات مع المجتمعات المسلمة في العالم، معتبراً إياها ضرورة إستراتيجية ملحّة، فعليه أن يسرع ويعالج شخصياً مسألة الحصار المستمر على غزة ويستغل هذه الأزمة كفرصة للتشديد على الحاجة إلى عملية سلام وتسليم المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين، ولكن إذا حاول تجاهل هذا الأمر أو الدفاع عن تصرفات إسرائيل، فستمثل الذكرى الأولى لخطاب القاهرة مناسبةً لطي هذه الصفحة إلى غير رجعة.

* كريستين لورد نائبة رئيس مركز New American Security ومديرة الدراسات فيه، ومارك لينش مدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن وأحد محرري Middle East Channel. نشرا حديثاً تقرير مركز الأمن الأميركي الجديد بعنوانExtended Hand: Assessing the Obama Administration's Global Engagement Strategy.