يكفي اسم المخرج الكبير يسري نصر الله، كعلامة جودة وضمانة قوية لمشاهدة فيلم جيد، قد نتفق أو نختلف مع الأفكار التي يطرحها لكن لا يسعنا سوى الإعجاب بالسينما التي يقدّمها.

في أحدث أفلامه «احكي يا شهرزاد» أدخلنا نصر الله الى مساحات أكثر رحابة، حدَّثنا عنها في الحوار التالي.

Ad

لاحظنا في «احكي يا شهرزاد» تلاقي عالمين مختلفين: سينما يسري نصري الله المتّسمة دائماً بأهمية الصورة، وسينما وحيد حامد حيث الحوار قوي وحاضر. كيف نجحتما في هذا المزج؟

الموضوع دائماً هو نقطة البداية، وسيناريو وحيد حامد كان محفزاً ومشجعاً جداً، فلم أشعر بأي نوع من الغربة عن العالم الذي يقدمه، حالة القهر والظروف القاسية التي يعانيها الناس وكيفية مواجهتهم لها وتمرّدهم عليها، وهذا كله كان شاغلي الأكبر في جميع أفلامي السابقة .

هل كانت ثمة نقط خلاف بينكما نتيجة اختلاف الأسلوبين؟

لم يكن ثمة خلاف حول الجوهر، بل حول بعض التفاصيل وهي خلافات عادية بين أي مخرج ومؤلف، وكان حامد هو الذي يقوم بأي تغيير.

هل كنت تقصد الانتصار للمرأة من خلال الفيلم؟

الفيلم ينتصر للإنسان، ليست المرأة وحدها هي المقهورة فالرجال في الفيلم، ما عدا شخصية أدهم الغرباوي (محمود حميدة)، مقهورون، وعلى رغم هذا يمارسون قهرهم على المرأة، فالصحفي كريم ( حسن الرداد) يواجه واقعاً أليماً لا يعترف بالموهبة في النجاح والترقي بل بالوصولية والانتهازية وهو مقهور من السلطة، كذلك سعيد الخفيف (محمد رمضان) المقهور بعقلية الخادم وبظروفه الاقتصادية الطاحنة. إذاً القهر واقع يواجه المرأة والرجل على السواء، أي أن المجتمع كله مقهور، ولكن المرأة أكثر تأثراً لأنها الحلقة الأضعف.

لماذا جاء التركيز شديداً على فكرة الحجاب؟

كنت أقصد الحجاب على المجتمع عموماً، فأنا ضد أن ينصب الناس أنفسهم حكاماً على الآخرين، فلا يجب النظر الى المحجبة على أنها إرهابية أو متخلّفة، كذلك لا ينبغي الحكم على غير المحجبة بأنها عاهرة، فأنا مع الحرية عموماً وكل امرأة من حقها ارتداء ما تحب ومن دون أحكام مسبقة، وضد النمطية فنحن خُلقنا متنوّعين.

قلت إنك قصدت الحجاب على المجتمع، فما هو هذا الحجاب من وجهة نظرك؟

الحجاب على المجتمع متعدد الزوايا، فثمة حجاب النظرة الخاطئة الى الدين باعتباره عقاباً وقبراً فحسب، وثمة حجاب الأخلاق، وحجاب السلطة وعدم مناقشتها، وحجاب عدم تقبّل الاختلاف، وحجاب فقدان القدرة على المطالبة بالحقوق وغيرها.

لماذا كان الهاجس الجنسي في الفيلم كبيراً؟

لأنه أصبح مسيطراً على المجتمع، فهو منطقة مظلمة نتحاشى الحديث العلني عنها باعتبارها عيباً، في حين أنه مسيطر على المجتمعات في العصور كلها، فلماذا لا نجد وسيلة يمكن التعامل بها مع الطبيعة بشكل أكثر تطوراً وتقدماً، وصيغة أفضل للزواج بعيداً عن هذه التعقيدات المالية كلها، وعن التفكير في العلاقات الإنسانية كصفقة مالية.

لاحظنا وجود ألفاظ جريئة في الفيلم، فلماذا لجأت إلى استخدامها؟

هذه الألفاظ مهذبة جداً مقارنة بما يقال في المجتمع، وأرى أن البذاء الحقيقي هو عدم تسمية الأمور بأسمائها. المهم برأيي هو توظيفها درامياً، فأنا ضد البذاءة ولا يمكنني اللجوء الى استخدامها في أي فيلم .

من هو صاحب هذه الألفاظ، أنت أم وحيد حامد؟

وحيد حامد، وقد وجدتها مناسبة تماماً وغير مبتذلة لذلك استخدمتها في الفيلم.

هل تقدّم التمرد من خلال الفيلم باعتباره الحل لمشاكل المجتمع؟

نعم، فالتمرد هو الحل سواء على السلطة أو التقاليد أو الثقافات البالية وربما يتطلب تضحيات، إلا أنه في النهاية يقود إلى الحل.

علاقة الفتيات الثلاث بـ «سعيد الخفيف» كانت شائكة، إذ اتفقن جميعاً على أن تتزوجه واحدة منهنّ، فلماذا لم تتقدم إحداهن وتعلن عن علاقتها به؟

لأن ليس بينهنّ حوار ولسن أصدقاء، فكل واحدة تعيش في عالمها الخاص.

لم يكن منطقياً أن تسلّمه الأخت الكبرى نفسها بهذه البساطة على رغم وعيها وأخلاقياتها؟

السبب الوحيد أنها أحبته بشدة واعتبرته كرجلها، وصدقت أنه يحبها وأنه اختارها وحدها من بين الثلاث.

لماذا جاء مشهد الإجهاض قاسياً جداً؟

ترددت كثيراً قبل تنفيذ هذا المشهد، إلا أنني في النهاية قررت تصويره لتظهر قسوة هذه الجراحة التي ينظر الرجال إليها باعتبارها سهلة جداً، فيطلب الرجل من زوجته أو عشيقته أن تجهض بهذه البساطة، في حين أن الإجهاض قاسٍ جداً صحياً ونفسياً.

كيف تنظر إلى الحملة الشديدة ضد منى زكي؟

أرى أن هذه الحملة ليست عشوائية أو بالصدفة بل هي منظّمة وموجهة ضد الفن وضد المرأة كي لا تحلم بالعيش في مجتمع متكافئ تُحترم فيه. جزء من أهداف فيلمي هو مواجهة مثل هذه العقليات، وأؤكد أن هذه الحملة مصيرها الفشل.

قلت في أحد حواراتك أنك كنت تتمنى إهداء الفيلم الى حسن الإمام؟ لماذا هو تحديداً من بين مخرجي السينما المصرية؟

أولاً لأنه مخرج سينمائي كبير وعرف كيف يعبِّر عن المرأة، ولكننا عندما كنا شباباً لم تكن تعجبنا أفلامه، واعتبرناها أفلاماً سطحية، ومع الوقت عندما نضجنا وشاهدناها ثانيةً شعرنا بأننا ظلمنا هذا الرجل، لذا أعتبر هذا الإهداء جزءاً من رد الاعتبار النفسي لهذا المخرج والذي أدين له بالاعتذار، غير أنني شعرت بضرورة تقديم مذكرة تفصيلية لتوضيح سبب هذا الإهداء وخشيت من اتهامي بالابتعاد عن أستاذي يوسف شاهين.

وهل خرجت بالفعل من عباءة يوسف شاهين؟

أرى أن يوسف شاهين لم يكن عباءة، بل أستاذاً طول الوقت، وأنا كنت تلميذه، والأستاذ لا يطلب من تلامذته أن يقلدوه وبدورهم لا يحبون تقليده بل التعلّم منه.