تنشغل الأوساط السياسية اللبنانية بمحاولة الإجابة عن السؤال المتعلق بطبيعة الاتصالات العربية - الدولية - السورية، لاسيما لناحية انعكاساتها على الوضع اللبناني وتحديداً على تشكيل الحكومة الجديدة خصوصاً في ظل معلومات متضاربة عن طبيعة هذه الاتصالات بين قائل إنها تهدف إلى التوصل إلى تفاهم بين سورية وكل من المملكة العربية السعودية وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية يعيد تلزيم الوضع اللبناني أو جانب منه على الأقل إلى دمشق، وبين مؤكد أن الأمور تتركز على محاولة تكريس المزيد من المكاسب التي تصب في مصلحة سيادة لبنان واستقلاله وتعزيز دور مؤسساته الدستورية والشرعية.

والواضح من خلال بعض المعلومات التي تنشر في وسائل الإعلام القريبة من الأقلية النيابية ودمشق في لبنان، أن هناك ما يشبه الحرب النفسية التي تُخاض على الأكثرية لناحية تصوير الاتصالات السعودية - السورية وكأنها عملية إخراج لتركيبة حكومية بالشروط السورية تعيد الى الأذهان مرحلة ما قبل الانسحاب العسكري السوري من لبنان.

Ad

وانعكست هذه الحرب النفسية على الرأي العام المؤيد للأكثرية النيابية (قوى 14 آذار) الذي بدا في موقع المصدوم من المعلومات المتداولة التي يتعاطى البعض معها وكأنها حقيقة واقعة، خصوصاً  في ظل تصريحات رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط المتضمنة انتقادات لبعض فرقاء قوى 14 آذار، وفي ظل موقفَي كل من رئيس الهيئة التنفيذية لـ"القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس "حزب الكتائب" أمين الجميل اللذين اعتبرا أن أي زيارة يمكن أن يقوم بها رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى سورية، خصوصاً قبل إنجاز التشكيلة الحكومية بمنزلة إعادة لعقارب الساعة إلى الوراء، ومساعدة لدمشق على استعادة تدخلها في الشؤون السياسية اللبنانية وتسليماً من الأكثرية بتعطيل نتائج الانتخابات النيابية وإلغاء مفاعيلها السياسية.

لكن جهات دبلوماسية عربية في بيروت تؤكد لـ"الجريدة" أن هذه الأجواء لا تعكس واقع الاتصالات ومضمون الاجتماعات والأهداف المرسومة لها، ذلك أن هذه الجهات تجزم بأن لا شيء تغير في الموقفين العربي والأوروبي وبالتالي الأميركي، من الوضع اللبناني ومن دور سورية في لبنان.

وتلفت هذه الجهات الى أن "الرقابة اللصيقة" على سورية التي  رافقت تطورات السنوات الأربع الماضية لاتزال على ما كانت عليه، وأن التركيز قائم في هذه المرحلة على إقناع سورية بضرورة المضي قدماً في تنفيذ التزاماتها في لبنان على قاعدة بناء المزيد من مداميك السيادة والاستقلال وتحريك عمل المؤسسات الدستورية السياسية والأمنية والعسكرية.

وتنفي هذه الجهات أي إمكان لقيام صفقة تعيد الى سورية أدواراً  كانت قد خسرتها بفعل انسحابها العسكري، لا بل على العكس من ذلك فإن الهدف من الاتصالات الخاصة بالشأن الحكومي يشبه الى حد بعيد تلك التي قامت في مسألة التبادل الدبلوماسي بين بيروت ودمشق.

بكلام آخر، فإن المملكة العربية السعودية وفرنسا يضغطان على سورية لإفهامها أن المطلوب منها هو تسديد ثمن مزيد من الانفتاح العربي والدولي عليها من خلال تسهيل تشكيلة الحكومة اللبنانية الجديدة، وليس كما يحلو للبعض أن يصور أو يتصور أنها تهدف إلى قبض ثمن تسهيل تشكيل الحكومة في الشكل تنازلات في المضمون تمسّ خيارات الشعب اللبناني التي عبر عنها في الانتخابات النيابية الأخيرة.