أجمع المشاركون في ندوة "التمسك بالوحدة الوطنية... خيارنا الوحيد" على أهمية مواجهة محاولات زرع الفتنة والتصدي لها، مؤكدين تماسك المجتمع الكويتي الذي جُبِل على التعايش بين شرائحه منذ القدم.

Ad

وقالوا في الندوة التي نظمتها الجمعية التربوية الاجتماعية بديوان النائب د. يوسف الزلزلة أمس الأول، إن المواطنين مطالبون بنبذ كل ما من شأنه زرع الفتنة الطائفية أو القبلية، مشددين على الدور الهام للمناهج التربوية وأئمة المساجد في خلق جيل واعٍ ومدرك لخطورة الطرح الطائفي والفئوي.

وأكد عضو مجلس الأمة د. سيد يوسف الزلزلة أن بعض النواب يسعون إلى التصعيد إذا طُرِحت قضية ذات طابع طائفي وفئوي داخل المجلس، مشيرا إلى أن ذلك يعتبر إخلالاً بالقسم الذي أداه لصيانة الدستور والحفاظ عليه.

وقال الزلزلة إن ما نحتاج إليه في المجتمع هو أن يكون رأينا واحدا، داعيا إلى الرجوع إلى خطابات صاحب السمو التي يدعو فيها إلى الوحدة الوطنية والاجتماعية.

وذكر الزلزلة أنه مهما كان التوجه فهناك سقف نحتمي به، وأعتقد أن ميزة مجتمعنا في الكويت هي هذا الاختلاف في الطوائف والمذاهب.

وتطرق إلى قانون سنغافورة، التي تضم صينيين وهنودا وملاويين وبوذيين ومسيحيين، مؤكدا أن هناك مادة في هذا القانون تقضي بأنه إذا تعرض أي شخص لأيٍّ من الطوائف الأخرى فإن عقوبات جزائية قاسية توقّع عليه، وهم جميعا يمجدون بلدهم سنغافورة التي تضم آلاف الأعراق والأطياف.

وأضاف أنه إذا ما انشغلنا بالأمور الهامشية التي يركز عليها بعض سفهائنا فبالطبع سيؤدي ذلك إلى تخلف وتراجع في التنمية.

كما تحدث في الندوة عضو مجلس الأمة سيد عدنان عبدالصمد الذي أكد أن الإعلام هو الذي أثار ويثير القضايا الطائفية، وأنا لا أؤمن بمقولة "ناقل الكفر ليس بكافر"، و"إنما ناقل الكفر كافر"، مشيرا إلى أنه لولا رسائل الـ"إس إم إس" لما كانت هناك فتنة طائفية، إذ إن للإعلام دورا كبيرا في إشعال الفتنة أو إخمادها، مبينا أن النقد يجب أن يكون بمعزل عن الآخرين وبعيدا عن الإثارة.

وأضاف عبدالصمد أن التمسك بالوحدة الوطنية هو أكبر تحدٍّ إذ إن بضاعة المفلسين هي شق الوحدة الوطنية، مشيرا إلى وجود بعض الجهلة المتعصبين الذين يجب أن يواجههم العقلاء في المجتمع.

وبيّن أن المزايدة الانتخابية هي التي تعزز النعرات الطائفية بين أطياف المجتمع، داعيا إلى تحمل جميع الخسائر بما فيها الخسائر السياسية في سبيل الوحدة الوطنية.

من جانبه، أشار الناشط السياسي د. عايد المناع إلى أن الحديث عن الوحدة الوطنية في حد ذاته يشير إلى وجود خلل في تطبيق هذه الوحدة، وعلينا مصارحة أنفسنا ومواجهتها، إذ إن هذا الموضوع لا يحتمل النقاش، لافتا الى دور البرلمان في تعزيز مسيرة المجتمع والدفع به في الاتجاه القويم.

وقال المناع: "لسنا في مجتمع ملائكي، ولدينا ناس يعملون على تحقيق ميولهم واتجاهاتهم، وإذا لم نردعهم فسيكون حالنا كالعراق والصومال".

ودافع المناع عن دور الإعلام في نقل واقع المجتمع، مبينا أن "ناقل الكفر ليس بكافر"، وإنْ تحفّظ البعض عن التطرق إلى مثل هذه الأمور.

واستشهد الناشط السياسي د. عبدالواحد خلفان بكلمة سمو أمير البلاد الأخيرة، التي تدعو إلى الوحدة الوطنية نتيجة خطورة الوضع في البلاد، متسائلا عن دور وزارة التربية في تعزيز هذه القيم في المناهج الدراسية لحماية الأجيال الحالية والقادمة.

ومن جانبه، أكد نائب رئيس الجمعية التربوية الكويتية أسعد خريبط أن الوطنية تعني حب المرء لوطنه إلى درجة التفاني، فالوطن أرض حريتي وتفاعلي وعطائي واعتقادي وعواطفي.

وقال خريبط، إن المواطن هو أخي الذي يتناغم معي وأتناغم معه في رحاب الوطن، مشيرا الى ان الوطنية ليست لافتة تُرفع ولا صوتا يُسمع، وليست السكوت على ما يجري من أخطاء وتقصير، وهي ليست أن تترك الوطن يتوجع أو يصرخ من الألم، وأنت "تتفرج"، والوطنية ليست نظرات قصيرة تُنسي التفكير في مستقبل الأجيال القادمة، والوطنية ليست إثارة الفتن والاختلافات بين ابناء الوطن الواحد، مؤكدا أن الوطنية هي فكر وثقافة وسلوك وهوية وتنمية وصحة ودين وعلاقات وانتماء.

وأضاف خريبط، الوطنية أن تأخذ بيد الوطن الذي يعاني أمراضا اجتماعية إلى عيادة التأخي والوفاء والإخلاص لعلاجه من أمراض الفتنة والفرقة والجهل والتخلف والحسد، والوطنية قبل ذلك وبعده أن تقول الصدق والحق على وطنك، والوطنية هي بيتنا الكبير وهي أسرتنا الكبيرة.

وتساءل خريبط هل من الوطنية ما نشاهده ونسمعه ونقرأه عن دهاليز الرشوة والوساطة والمحسوبية والفساد الإداري والتجاوزات الضخمة؟ فماذا يبقى للمواطن "الطالب" الذي يتلقى في "التربية الوطنية" وهو يُصدَم بهذا الكم والكيف من العقوق الوطني؟

من جهته أكد ممثل الحركة الدستورية الإسلامية المحامي محمد الدلال ضرورة أن نأخذ العبرة من الآباء والأجداد، في ما يتعلق بالعيش الكريم وتأكيد الحريات والمشاركة في الحكم وتعزيز النسيج الاجتماعي، وهي قيم عظيمة ليست كلمات مسطرة في الدستور، وإنما هي واقع وأفعال وأقوال، ولعل الغزو الغاشم على بلدنا والتصدي له خير دليل على التمسك بالشرعية الدستورية، مشيرا الى اننا حرصنا على أن نكون يدا واحدة ضد العدو.

ودعا الدلال إلى عدم "الجنوح" إلى المذهب والطائفة والجماعة، وذلك للحفاظ على القوة والهيبة والوحدة.

وأشار الدلال إلى أننا حين نتكلم عن المواطنة فإننا نتكلم عن قيم عظيمة لا تعني الغناء والشعور فقط بل يجب أن نترجمها الى عمل وواقع، لافتا الى انه إذا لم تتوفر العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة في توزيع الفرص بين المواطنين فسيلجأ الناس الى التكتلات والجماعات، ولعل هذه الندوات تثير الموضوع، ولكن نحن نكررها سنويا دون عمل فأتمنى أن نترجمها الى عمل فعلي، بتحقيق مشروع واحد وطني يتفق عليه الجميع، داعيا الى توحيد الأفكار واحترام آراء الآخرين والتعايش بسلام مع جميع الطوائف الكويتية.

واستشهد الدلال بتجارب 3 دول في تعزيز الوحدة الوطنية بين شعوبها، وهي ماليزيا، ودول الاتحاد الأوروبي، والسعودية من خلال مركز نايف لتعزيز الوحدة الوطنية.

بدوره، ذكر عضو اللجنة التشريعية في الوقف الجعفري صالح الصفار، أن البعض يرى الوحدة شعارا يُرفع، وآخرين يرونها مصالح تُحقق عبر الوطن، وآخرين يرون أنها مبدأ يجب أن يكون، والبعض يعتقد أنها روح ومعتقد، وهي ليست موضوعا يباع ويشتري، وهذا ما يحدث في بلدنا إذ في كل مناسبة تُرفع شعارات الوطنية، وقد تناسينا أنها شيء موجود في القلب والروح، مبيناً أن السؤال عن الوطنية أصبح سؤالا غير ذي معنى بل حتى في المناهج الدراسية حُذِف "المواطن الصالح" واستُبدل بـ"الإنسان الصالح"، لأنه ربما يكون صالحاً في بلده وغير صالح في بلد آخر.

وتساءل هل من الممكن التأثير في الممارسة الوطنية سلباً أو إيجاباً؟ وأردف نعم، ورغم أن الوحدة الإسلامية أشمل من الوحدة الوطنية فإن هناك الكثير من الناس الذين بدأوا بالتأثير السلبي في الممارسة الديمقراطية، مشيرا الى اننا لدينا مؤسسات دينية واجتماعية، ونحن مجتمع صغير وقد يتأثر بسرعة، ولكن لا يستطيع أحد أن يساوم على وطننا رغم الاختلاف أحياناً.

من جانبه، أكد إمام مسجد سيد هاشم بهبهاني الشيخ علي حسن أن قضية الوحدة سواء كانت وطنية أم اسلامية، فالأساس فيها هو اعادة صياغة البناء المعرفي والمنهجي عند الانسان، لافتا الى انه اذا لم تمر المعالجة بشكل صحيح فسيؤدي ذلك إلى تفاقم المشكلة واستمرارها، داعياً الى الابتعاد عن المعالجة الآنية سواء سياسية او إعلامية، محذراً من الاختلاف بين المسلمين حول المذاهب.

ودعا الى اطلاق مبادرتين للمعالجة العملية للموضوع، الأولى ترتبط بالمدارس من خلال إقامة ندوات مشتركة بتنسيق بين وزارتي التربية والأوقاف، ويكون لهما دور مشترك حول قضية معينة، ويوضح فيها أن ما عند الشيعة هو ذاته عند السنة، وذلك لترسيخ مفهوم الوطنية عند الطلبة، بينما رأى أن المبادرة الثانية هي صلاة الجماعة التي نراها في الحرم المكي، داعياً إلى تبني مشروع صلاة مشتركة مرة يؤمها الشيعي ومرة السني، وذلك لتأصيل الوحدة بين الأبناء والطلبة في جميع المراحل الدراسية حتى الجامعة.