لم أستمتع منذ زمن بندوة عامة تتطرق لقضايا جدية كما استمتعت الثلاثاء الماضي بندوة التحالف الوطني الديمقراطي التي استضاف فيها أعضاء «الحملة الوطنية لمواجهة استنزاف وتبديد ثروة البلاد وترشيد استخدامها» أو ما يعرفون بـ»مجموعة 26». ولعل سبب استمتاعي هو مرور دورتين انتخابيتين علينا «عملت عمايلها» في تشويش العقل بالشعارات والتحوير ودغدغة المشاعر، فجاءت ندوة مجموعة 26 فنية تخاطب العقل لا العواطف جعلتني أشتاق لمحاضرات الجامعة، وخلت من الشعارات المرسلة والطرح العمومي، وما زادها متعة وإفادة هو اقتدار أعضائها المتحدثين في الندوة وتمكنهم مما يقولونه وسلاسة طرحهم.

Ad

وبقدر الاستمتاع كان هناك شعور بالهول مما يطرح، فوصف المتحدثين أسلوب إدارة الدولة وتحليلهم لطريقة التعامل السياسي مع الثروة الوطنية وسردهم للبيانات، جميعه يصب في اتجاه تصنيف الكويت كدولة مؤقتة أشبه بالواحة الوفيرة وسط الصحراء، حطت عليها مجاميع من الرحالة- نحن المواطنين- وأخذوا يتسابقون على استنزاف خيراتها إلى أن تنضب، ثم سيشدون رحالهم إلى مكان آخر بعد ترك أوساخهم وراءهم ليقوم بتنظيفها مَن لا يستطيعون الرحيل عنها إيماناً منهم بأنها موطنهم الدائم.

وللشعور بالهول أسباب، منها المعلومات التي تم سردها عن سياسة الدولة المالية وأوجه الإنفاق الحكومي والبيانات التي تعبر عن حقيقة قضية القروض، فبينما أعتبر نفسي مهتماً بهذه القضايا ومتابعاً جيداً لها أكثر من المواطن العادي، كان جزء يسير من تلك المعلومات جديداً بالنسبة لي، أو على الأقل كيف ترتبط مع بعضها بعضاً وتصب باتجاه فكرة الدولة المؤقتة، وذلك يعود إلى صعوبة الوصول إلى المعلومات إن وجدت، ولذلك لا عجب في أن يطغى الطرح المدغدغ للمشاعر على الموضوعية لأن المواطن مغيَّب عن الحقيقة والمعلومات التي تدعم ما يطرح من حجج.

لقد حضرت الندوة خصوصاً للتزود بالمعلومات والبيانات التي تدعم معارضتي المبدئية لتضخم الإنفاق الحكومي الجاري والتعامل العشوائي مع قضية القروض، وعندما عبّرت لعضو المجموعة الاقتصادي جاسم السعدون عن صعوبة الحصول على المعلومات قام مشكوراً بتزويدي بورقة مطوية في جيبه تحوي بيانات مفصلة عن القروض، وأنتهز الفرصة الآن للاقتراح على المجموعة إنشاء موقع إلكتروني تنشر فيه المعلومات الفنية التي تستند إليها في حملتها مع تحليلها وتفصيلها، لتكون رافداً لمُشَكّلي الرأي من كتّاب ومدونين للمساهمة في الحملة، ومرجعاً لكل من أراد الحقيقة بعيداً عن التشويش، فقد اشتقنا إلى تحليل مشاري العنجري للجانب السياسي للقضايا، وتميز د. نبيل المناعي بسرد الأرقام بتسلسل منطقي بسيط، ووفق إبراهيم القاضي بتبيان أن الحملة شعبية تدافع في الأساس عن مستقبل الطبقة الوسطى، وأبدع جاسم السعدون في التركيز على الصورة الأكبر دون الانشغال بالتفاصيل وربط القضايا في السياق التاريخي، فليعرض ما طرحوه على الناس كافة ويثبت كتابياً على الإنترنت بدلاً من اقتصاره على الندوات وتغطية الصحف لها.