تحت عنوان «هل الأصنام الأربعة هي عدو المسيح؟»، نظّمت ورشة السهروردي أمسية ثقافية في مقر الورشة في منطقة مشرف، والقارئ للعنوان أو المستمع إليه يدرك أن ثمة أموراً كثيرة تدعو إلى النقاش.

Ad

انتهج المشرفون على العمل أسلوب الملاحظة والتجريب وهو الأسلوب ذاته الذي سلكه الفيلسوف الإنكليزي بيكون، في حديثه عن الأصنام الأربعة التي تعيق العقل. وسعوا إلى إشراك المتلقّين في العمل حيث قُسّمت الندوة إلى جزئين، الأول تضمّن عرضاً مسرحياً قصيراً، أما الثاني فتضمّن جلسة حوارية لمناقشة العرض الذي قُدّم في مستهل الأمسية ولم تتجاوز مدته 12 دقيقة وتناول قصة الفيلسوف فرنسيس بيكون الذي زجّ به في السجن بسبب اتهامه بالرشوة واختلاس مال الدولة، المفارقة أن السجّان لم يعرف أهمية السجين، فكرياً وسياسياً واجتماعياً، فالذي يقبع في الزنزانة هو ذاته رجل الدولة والفيلسوف والمسؤول البارز والشخصية الاجتماعية المعروفة، فيدور الحوار بينهما وتتضح رؤية العمل الفلسفية التي تستند على الفكرة التي قدِّمت أمام الحضور وبشكل حي بعيداً عن المفردات المسرحية المتنوّعة المتعلّقة بالأزياء والأكسسوارات والديكور والإضاءة.

ينتمي العرض إلى مسرح التجريب حيث جسّد الممثلان أسامة البلوشي وفهد شطي شخصيات العمل وتبادلا أيضاً الأدوار، لكن أثناء هذا التبادل لم نشعر باختلاف الشخصيتين إذ لم نشعر أن البلوشي أدّى دوراً جديداً، هذا لا يعني أنه لم يكن متمكناً بل أدى دوره بكل براعة في الشق الأول من العمل، وهو يتمتّع بصوت معبّر جداً، وكذلك زميله فهد شطي الذي لا يقل براعة عنه.

حرص المخرج على وضع رؤيته الخاصة في العمل بدقة، إذ حوّل الإنسان إلى آلة كدلالة على بدء الثورة الصناعية ومرحلة جديدة في تاريخ العالم كانت مستندة على أفكار بيكون الذي وضع أسس منهج البحث العلمي، مفضّلاً الاعتماد على الطريقة الاستقرائية ونبذ الطريقة القياسية الموروثة من أرسطو.

كان بيكون أحد أكبر المناهضين لأرسطو، إذ أبرز نقائض المنطق الصوري، ودعا إلى ضرورة الاعتماد على التجربة، لأنه يرى أن العلم الصحيح هو القائم‏ على التجربة والملاحظة، محذراً من الاستسلام لأصنام العقل الأربعة كما يسميها:

«أصنام القبيلة»: تأتي من طبيعة الإنسان، لذا كانت مشتركة بين جميع أفراده ، فالمرء بطبعه يميل إلى تعميم بعض الحالات من دون التفات إلى تلك المعارضة لها، ويتصور أن فعل الطبيعة على مثال فعل الإنسان فيتوهّم لها غايات وعللاً غائية .

«أصنام الكهف»: ناشئة من طبيعة كل منّا الفردية، فالفردية بمثابة الكهف الأفلاطوني، منه ننظر إلى العالم وعلية ينعكس نور الطبيعة فيتخذ لوناً خاصاً. هذه الأوهام صادرة إذن عن الاستعدادات الأصلية وعن التربية والعلاقات الاجتماعية والمطالعات.

«أصنام السوق»: تنشأ من الألفاظ ، فالأخيرة تتكوّن طبقاً للحاجات العملية والتصورات العامية وتسيطر على تصوّرنا للأمور فتوضع ألفاظ لأمور غير موجودة أو غامضة أو متناقضة. وهذا أصل كثير من المناقشات تدور كلها على مجرد ألفاظ .

«أصنام المسرح»: تستند على ما تتّخذه النظريات المتوارثة من مقام ونفوذ، وهنا يحمل بيكون على الذين يفسرون الأمور بألفاظ مجردة، ما يصعّب على الآخرين استيعابها أو فهمها بسهولة.

تحرّر من السلبيات

أكّد مؤلّف المسرحية محمد السعيد أن فكرة العمل تعتمد على كيفية تأويل ما يُعرض من المتلقّي، مشيراً إلى ضرورة رد الاعتبار إلى الأسطورة، ورأى أن تطور العلوم لا يتحقق إلا من خلال التحرر من السلبيات التي تعيق الإبداع، مستشهداً بآراء بيكون .

من جهته، قال مخرج العمل حسين بهبهاني أن ما عُرض جزء من عمل مسرحي سيُفصح عنه لاحقاً، مشيراً إلى رغبة أعضاء السهروردي في الحصول على آراء الحضور للمشاركة في صياغة شكل العرض النهائي.

آراء وتساؤلات

عقب العرض فُتح باب النقاش وتحدّث بدايةً الكاتب أحمد المحمدي قائلاً إن العمل يدعو إلى اعتماد التجربة والمعاينة في مسألة قبول الآخر. فيما أكد طاهر البغلي أن المسرحية تعتمد على فكرة فلسفية جميلة، مستغرباً تحويل الإنسان إلى آلة في العرض.

بدوره أشار الشاعر محمد صرخوه إلى أن فكرة المسرحية متداخلة مع السيناريو والحوار، مبدياً إعجابه بالطريقة التي اختُزلت فيها الأصنام الأربعة.

أما الكاتب عبدالله الفريح فأشاد بالعرض المسرحي الذي يدفع المتلقي إلى آفاق التساؤل، وأشار إلى إتقان الممثّلين أدوارهم، مستعرضاً بعض الأسئلة التي تكونت لديه بعد المشاهدة.

أستاذة الفلسفة باسمة كاظم انتقدت المبالغة في أداء الممثلين ضمن جزئيات محددة، متمنية إثراء هذه التجربة بالأزياء والأكسوارات والإضاءة والديكور رغبة في اكتمال الطقس المسرحي.

بيكون في سطور

فيلسوف إنكليزي ولد في عام 1561، درس القانون وانتظم في سلك المحاماة، انتخب عضواً في مجلس النواب، اشتغل في السياسة فأصبح مستشاراً فوق العادة للتاج البريطاني ثم دخل القضاء فتبوأ أعلى المناصب القضائية، حتى صار الوزير الأول عام 1618، وفي سنة 1621 اتهمه مجلس النواب بالرشوة واختلاس مال الدولة فاعترف بصحة الاتهامات، وعلى إثر ذلك حُرم من ولاية الوظائف العامة ومن عضوية البرلمان، ومن الإقامة بالقرب من البلاط، وأمضى بقية عمره يحاول استرداد اعتباره ولكنه لم ينجح. توفي في عام 1626.