قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان». والحياء هو أن تخجل النفس البشرية من العيب والخطأ، ولكن هناك كثيراً من الآداب والمعاني المرتبطة بالحياء غائبة عن المجتمع حالياً، فالبعض يذمه في الرجل ويقصره على المرأة، والبعض يعتقد أن الحياء محمود دائما وليس له أوجه مذمومة، ولكن علماء الدين يصححون الكثير من المفاهيم الموجودة في أذهاننا عن الحياء.

يقول د. محمد الشحات الجندي (أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر): «الحياء بصفة عامة ركيزة في الإسلام، وهو خلق ينبغي أن يتصف به الإنسان المسلم، إذ أشار الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلى أهمية هذا الخلق بقوله: «لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ»، ويعني ذلك أن الحياء والإيمان متلازمان، لكنه الحياء الذي ينهى المسلم عن الوقوع في الفواحش والمنكرات، ويمنعه أن تمتد جوارحه إلى ما يغضب الله».

Ad

ويضيف: «أما الحياء في ما يتعلق بإظهار الحق والدفاع عما هو عدل، فهو حياء في غير موضعه، وينهى عنه الإسلام، ومن المأثور أن الحياء في غير موضعه ضعف، وهو ما يؤكد أن الحياء خصلة محمودة بصفة عامة وإن كانت في التطبيق تحتاج إلى ضوابط وقيود ينبغي أن تنضبط بها حتى يمكن التمييز بين الحياء في موضعه وغير موضعه»، لافتاً إلى أن الحياء بصفة عامة أمر مطلوب، ولاسيما في وقتنا الحاضر الذي عمت فيه الجرأة الزائدة، التي تخطت الحرمات وتجاوزت المحظورات الشرعية تحت مزاعم الحرية الشخصية وحق الإنسان في أن يعبر عما يجيش في نفسه، وهو أمر غير جائز في نظر الإسلام، لأن الحياء ينبغي أن يقف عند الحدود الشرعية.

ولفت الجندي إلى أنه ليس صحيحا ما يتردد من أن الحياء صفة تلزم بها المرأة دون الرجل وقال: «هذه الصفة ينبغي أن يتحلى بها كل من الرجل والمرأة باعتبار أن كلا منهما إنسان فاعل وله دوره في المجتمع، ويؤيد ذلك ما روي عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه كان «أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا».

بدوره يؤكد الشيخ فوزي الزفزاف (رئيس لجنة الحوار بين الأديان بالأزهر) أن الحياء من أسمى الصفات التي حث عليها الإسلام، وهي من الصفات العظيمة القدر والمنزلة التي اهتم الدين الإسلامي بها، ويقول: «الحياء خلق يبعث على ترك القبح، ويمنع من التقصير في حق صاحب الحق».

ويوضح الزفزاف: «للحياء مجالات كثيرة ومتعددة، فمن الحياء أن يكون المرء عافّ اللسان عن البذيء، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء»، بل ربط الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان بالحياء وجعلهما متلازمين، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «الحياء والإيمان قرنا جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر».

ويؤكد الزفزاف أن الحياء صفة من صفات الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ولذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «إن مكارم الأخلاق عشرة: صدق الحديث، وصدق التأسي في طاعة الله، وإعطاء السائل، ومكافأة الصنيع، وصلة الرحم، وأداء الأمانة، والتذمم للجار، والتذمم للصاحب، وقرى الضيف ورأسهن الحياء».

ولكن ينبه الشيخ الزفزاف إلى مواطن لا يصح فيها الحياء، ومنها السؤال في العلم والدين ويقول بهذا الصدد: «لا حياء في العلم ولا حياء في الدين» فالأصل سؤال المسلم عما غمُض عليه من الأمور الشرعية والمسائل الفقهية، وهنا لا محل للحياء عن السؤال، لأنه يضر بصاحبه. كما أن الحياء عن قول الحق خشية إغضاب أحدهم لا يصح أيضاً، فإذا انتهكت حرمة من حرمات الله فلا حياء أن يغضب الإنسان لأجلها ويرفع صوته لإنكارها».

ويقول د. محمد رأفت عثمان (أستاذ الفقه المقارن وعميد كلية الشريعة والقانون بالأزهر): «الحياء خلق إنساني لا تتصف به الحيوانات إطلاقا، لأن المعنى البسيط للحياء هو رفض الإنسان أن يضع نفسه في موضع لا يليق بمكارم الأخلاق، ولهذا كان شعبة من الإيمان، لأن المعروف أن الإيمان وازع للإنسان يمنعه ارتكاب المخالفات الشرعية، والحياء يمنع الإنسان أن يوقع نفسه في مواضع الشبهات، وهو نوعان إما أن يكون طبيعياً بأن يكون الإنسان مفطورا على هذا الخلق الكريم منذ صغره، وإما أن يكون مكتسبا بأن أثرت فيه البيئة التي نشأ بها وجعلته يتلافى كل أمر يقلل تدينه ويمس كرامته، وكلا الأمرين مستحب في الإسلام».

يضيف عثمان: «إن معنى الحديث الشريف «إن لم تستحِ فافعل ما شئت» ليس كما يعتقد البعض بأنه أمر ليفعل غير الحيي ما يشاء، ولكن يدل على أن الذي لا يستحي لا يمنعه مانع أن يفعل كل المخالفات، ولا يبالي بمخالفة الشارع تبارك وتعالى واستنكار الناس له».

وأكد عثمان: «يجب أن يفهم أن الحياء ليس معناه الضعف أمام الحقوق، فالمواقف التي تستدعي نصرة الحق ينبغي أن تحث الإنسان الحيي على أن ينزع للحق ويدافع عنه، وإلا ما كانت هذه الصفة صفة الحياء، بل ضعف واستكانة لا يليقان بالمسلم.

ومن علامات الحياء أن نجد من عنده حياء سواء كان رجلا أو امرأة يهتم جدا بنظرة الناس إليه، فلا يرضى أن يضع نفسه مكان الشبهات، ولو كان الإنسان كالحيوان ليست عنده صفة الحياء تجرد من ملابسه أمام الناس، ولهذا فإن ستر أجزاء من جسم الرجل أو المرأة – مناطق العورة – من الحياء، فلا يتصور أن يكون الإنسان متصفا بمكارم الأخلاق ويمشي بين الناس كاشفا عورته، ولهذا فإن المرأة التي لا تحافظ على جسمها من أن تلتهمه عيون الناظرين لا تتسم بالحياء».