يروى أن لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا الذي تولى هذا المنصب خلال الفترة من 16 حتى 22 من سنوات القرن الماضي كان من قصار القامة، وفي إحدى المرات بعد أن أنهى خطاباً له دنت منه امرأة وفاجأته بقولها: «قبل أن أراك كنت أظن أن قامتك مديدة أكثر»، فأجابها رئيس الوزراء بكلمات فيها من المعاني الكثير والكثير، حيث قال وبسرعة خاطرة: «يا سيدتي في مسقط رأسي ويلز يقيسون الرجل من عنقه وما فوق وليس من عنقه فما تحت».

Ad

ولاشك أن ما قاله ذلك الرجل القصير القامة فيه حكمة عظيمة جداً تعني أن الإنسان يقاس برجاحة عقله ومنطقه وأسلوب تفكيره وإنجازاته وغيرها من الأفعال التي نستطيع من خلالها تقييم الشخص في جوهره وبشكل سليم. أما ما تحت العنق فهو ذلك الجسد المسيَّر الذي يتربى ويترعرع لتأدية حركات ميكانيكية متعلقة بالأكل والشرب والجنس وغيرها، وهو كيان يتحرك بناء على إشارات كلها صادرة من المخ، فأنت تعيش بلا يد أو أرجل ولكنك لا تعيش بلا رأس.

الرجال تقاس من العنق فما فوق، هذا ما يجب أن يعيه أعضاء مجلس الأمة، وأن يعلموا أن الرجال أيضاً مواقف، وهناك من المواقف ما لا يحتمل المواربة أو التخاذل أو محاولات التضليل لأن اللعبة مكشوفة، فمواقف النواب من استجواب وزير الإعلام الآن هي التقييم الحقيقي لنوابنا الكرام مادام أن الأمر يتعلق بالوحدة الوطنية، وهي أهم شيء في نظري يجب أن نراعيه لأنه من دونها نكون قد كتبنا شهادة وفاة مجتمعنا، ولا توجد قضية أهم من هذه القضية، فلا قضية المال العام ولا الفساد ولا الإسكان ولا حتى الصحة والتعليم وغيرها أهم من الوحدة الوطنية.

الوحدة الوطنية هي البداية لتطوير بلدنا ونمائه، ومن دونها لا يمكن أن نستمر، لذلك يجب على النواب أن تكون مواقفهم واضحة، وألا تكون هناك حجج واهية مضحكة وساذجة كتلك التي يروج لها النائب سعدون حماد بقوله لم تتم استشارتنا! المفترض أن تتعامل مع القضايا بأهميتها لا بمن استشارك أو من لم يستشرك أو من يحبك ويكرهك، ولن ننسى أن موقفك من هذا الاستجواب تغير في اللحظات الأخيرة وفي أثناء الجلسة نفسها، وكذلك لن ننسى موقف النواب الذين كان من المفترض أن يكونوا في طليعة المستجوبين لا من طليعة المعارضين له، خصوصا نواب الدائرتين الرابعة والخامسة.

عموماً جلسة طرح الثقة ستسقط فيها الأقنعة، وتنكشف الحقائق لأن هذا الاستجواب يختلف عن غيره من الاستجوابات الأخرى نظراً لحساسية موضوعه، وليس من حق المتخاذلين بعد ذلك التشدق بحديث الوحدة الوطنية بعدما تخاذلوا في الدفاع عنها.

داخل نطاق الموضوع:

كتلة العمل الوطني ممثلة بالنواب (أسيل- مرزوق- صالح- العنجري) هم الحصان الأسود في هذا الاستجواب، فهذه الكتلة هي التي ستحدد مصير الاستجواب الخميس المقبل إن كانت الحكومة ستترك الأمور تسير في طريقها المعتاد وتدخل الجلسة دون تدوير أو استقالات.

فأغلب النواب أمرهم محسوم باستثناء نواب الكتلة، وهذا يجعلنا نتوقع أي شيء، فهذه الكتلة خرج منها النواب الشرفاء الذين كانوا يتعاملون بمنطقية مع القضايا دون النظر إلى مصالح شخصية أو انتماءات فئوية. ونذكر من هؤلاء النواب السابقين الخطيب والمنيس والجوعان... فالخطيب كان يستطيع أن يرشح نفسه في أي دائرة في الكويت وحتى الجهراء وينجح، لأنه كان يتعامل مع الأمور من منطلق وطني بالفعل... فهل نعود لنشم عبق هذا الزمن الجميل؟