عاد قانون العمل في القطاع الأهلي ليكشف مجدداً إصراراً حكومياً على الاستمرار في التمييز ضد المرأة في العمل، مخالفاً بذلك التزام الدولة مبادئ المساواة التي أرساها الدستور، ومعايير العمل الدولية الملزمة لها بشأن تشغيل النساء ليلاً، إذ صادقت الكويت على 18 اتفاقية بهذا الصدد. إن الهدف من تنظيم أو حظر عمل المرأة ليلاً، وفقاً لمعايير العمل الدولية هو حمايتها، ولا ينبغي لذلك الهدف أن ينحرف عن مساره ليصبح فرضاً للقيود على حقها في اختيار نوع العمل، أو العمل في ميدان محدد وفقاً لتوجهات بعض النواب أو المسؤولين الحكوميين الذين يتذرَّعون بالشريعة من أجل الانتقاص من حق نصف المجتمع في ممارسة دوره الطبيعي. وبما أن الأصل في الأمور هو الإباحة، فإن حظر العمل على النساء وفق المعطيات الواردة في القانون يفتح المجال لممارسات تمييزية ضد المرأة، فكيف سيتم التعامل مع المهندسات ومكاتب المحاماة والصحافة والإعلام وغيرها من الأعمال؟ وما هو مصير سيدات الأعمال وصاحبات المشاريع الصغيرة في مجالات متنوعة ومتعددة؟ ومن أفتى بأن الشريعة تتعارض مع قانون متطور للعمل يحفظ حقوق الناس؟ إن أساس هذا النهج هو التمييز ضد المرأة، وهو النهج ذاته في التفكير الذي بإسم الشرع أدَّى إلى صدور العديد من القوانين التي مارست تمييزاً ملحوظاً لا يُقره تفسير عقلاني للنصوص، ولا يقره دستور، ولا تقره المعايير الدولية، وسيؤدي في محصلته إلى تقليص فرص العمل أمام المرأة بمبررات ظاهرها حماية المرأة، وباطنها التمييز الصارخ. من المستغرب أن يبرز هذا الاتجاه التمييزي ضد المرأة، في حقبة تَعزَّز فيها حضور المرأة السياسي داخل البرلمان، وداخل الحكومة، وفي وسط تصريحات حكومية داعمة للمرأة ودورها في العملية الاقتصادية والتنموية. ومؤسف أن نرى نواباً أو وزراء لا تثيرهم التفرقة بين الرجل والمرأة ولا ينظرون إلى المواد المتخلفة التي أُدخلت إلى القانون على أنها معيبة وتستحق منهم رد فعل عفوياً أو موقفاً مدروساً أو رفع الصوت لإحقاق الحق ولعدم العودة إلى ماضٍ ليس ببعيد رضخت فيه السلطة لابتزاز الإسلاميين أو تواطأت معهم فجنينا «منع الاختلاط» ونهجاً يسير بالمجتمع إلى الوراء. لا يحق للنواب والوزراء الذين يفاخرون باحترامهم لحقوق الإنسان وبرفضهم للتعصب والتزامهم الشريعة السمحة التي جُبِلت عليها حياة الكويتيين أن يلوذوا بصمت القبور أو يختبئوا وراء أصابعهم أو يغضّوا الطرف عن ممارسة متخلفة ظاهرة للعيان في مشروع قانون العمل. ولا يمكن لجمعيات النفع العام والقوى الحية في المجتمع أن تسمح بمرور مشروع كهذا يعارض حقاً من الحقوق الأساسية للإنسان، ويظلم نصف المجتمع، ويستغل الشريعة بغرض التمييز والإجحاف. الجريدة.
آخر الأخبار
قانون العمل مُجحف في حق المرأة ويشرِّع التمييز
21-08-2009