أكد عضو غرفة تجارة وصناعة الكويت السابق، عبدالسلام العوضي، أن إجراءات معالجة الأزمة الاقتصادية في الكويت كانت بطيئة جداً نتيجة العلاقة المتوترة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على الرغم من أن البلد يمتلك كل الإمكانات اللازمة لمعالجتها، مشيراً إلى أن «قانون الاستقرار» جيد ولكنه يحتاج إلى قوانين مساندة لكي تكون المعالجة أكثر شمولية.وأضاف العوضي في لقائه مع «الجريدة» أن دور «الغرفة» كان إيجابياً على الرغم من أنها جهة استشارية وليست رقابية أو تشريعية، إذ قامت بإبداء رأيها في «قانون الاستقرار» وقدمت دراسات تتعلق بمعالجة الأزمة، موضحاً من جهة أخرى أن شراء الهيئة العامة للاستثمار لحصص في شركات محلية أو أصول يجب أن يتم وفق عملية استثمارية لتحقيق المصلحة المرجوة من دخولها. وطالب العوضي أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية بالابتعاد عن الخلافات السياسية والشخصية التي تعرقل التنمية في البلاد، والتحلي بثقافة الخلاف والالتفات نحو ما يحقق المصلحة العامة للكويت، مؤكداً في الوقت ذاته أن أهم ما تعلمناه من الأزمة الحالية هو أهمية التحرك السريع لوضع الحلول ودوره في تخفيض التكلفة العامة المترتبة على هذه الحلول. كذلك تحدث العوضي عن دور إدارة البورصة في ظل غياب هيئة سوق المال، وكذلك عن تأثير صفقة «زين» على السوق وقضية إسقاط القروض عن المواطنين وغيرها من المواضيع المهمة الأخرى.وهنا نص اللقاء: • بدايةً، وبعد مرور أكثر من عام على بداية الأزمة المالية في الكويت، كيف ترى أسلوب معالجتها من قِبَل الحكومة والمجلس؟الإجراءات في الكويت كانت بطيئة جداً نتيجة العلاقة المتوترة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، باستثناء «قانون الاستقرار» الذي بذل خلاله فريق العمل الاقتصادي برئاسة محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم الصباح جهوداً خارقة للخروج بقانون يعمل على المساعدة في مواجهة الأزمة، وظهر القانون الموجود بصورته الحالية، ويعتبر القانون، بشكل عام، جيدا ويحمي البنوك بالدرجة الأولى ويحاول تنشيط القطاعات الأخرى، لكنه يحتاج إلى قوانين مساندة لكي يكون أكثر شمولية.لو رجعنا بالذاكرة إلى شهر أغسطس من عام 1986 وتحديداً في أزمة البنوك التي عانت نقص المخصصات وتدهور أسعار الأصول وتعثر المقترضين، لوجدنا أن الدولة اضْطُرت إلى التدخل وإصدار برنامج لدعم كل مخصصات البنوك وحقوق مساهميها، وكان هذا البرنامج فريداً من نوعه، وفعلاً استطاع إنقاذ البنوك، وانتهى العمل به مع الغزو العراقي الغاشم، ومن ثم أتت الحكومة من جديد لشراء جميع محافظ القروض لدى جميع البنوك وتنظيف ميزانياتها مرة أخرى في عام 1991.• هل ينقصنا شيء حتى نبدأ بالمعالجة اللازمة للأزمة؟لا ينقصنا في الكويت أسلوب معالجة، لأننا نمتلك خبرة كبيرة في إدارة الأزمات ومن ضمنها ما ذكرته عن أزمة البنوك، كما أن محافظ «المركزي» يمتلك خبرة كبيرة مشهوداً لها على المستويين الإقليمي والدولي، ولكن المشكلة تكمن في آلية التحرك لأن العلاقة غير المستقرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تعرقل كثيراً من الأمور المهمة، فرغم وجود أزمة خانقة نجد أن أولويات السلطتين بعيدة عنها وهذا ما يجعلنا نطالب بجدية أكبر من السلطتين لإنهاء هذا الوضع.برنامج المساعدة على الخروج من الأزمة لابد أن يراعي جميع الأطراف، بل على العكس يجب أن يكون صغار المستثمرين في مقدمة أولويات هذا البرنامج ومعالجة أوضاعهم لأن معاناة الصغار أكبر من كبار المستثمرين، ويجب ألا «يسيس» هذا البرنامج بل ينبغي تركه للفنيين فقط لأنهم أحرص على خروج برنامجهم بأفضل شكل ممكن.كما أشار الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني ابراهيم دبدوب، وجميعنا يدرك مدى مهنية هذا الشخص وحرصه الكبير على الكويت لأنه ابن هذا البلد، إلى أن مجموع القروض المسجلة لدى البنوك الكويتية يقارب الـ 24 مليار دينار، منها 15 مليارا قروضاً مقابل رهن أسهم وعقارات، فإذا كانت هذه الأصول تتراجع باستمرار إلى مستويات غير مسبوقة، ولا يوجد أي دعم لهذه الأصول التي تشكل في النهاية دعما للقروض نفسها، فإننا سنصل إلى نفس المأزق الذي وصلنا إليه عام 1986 وحدوث أزمة أخرى للبنوك تتمثل في معاناتها في تكوين المخصصات اللازمة واضطرار الدولة بعد ذلك إلى التدخل ومساعدتها وحماية مخصصاتها لأنها ملتزمة بها.دخول «الهيئة»• هل تؤيد دخول الهيئة العامة للاستثمار وشراء حصص في الأسهم المحلية أو شراء أصول من بعض الشركات المدرجة؟هناك أصول جيدة محلياً، هناك جدوى اقتصادية من الاستثمار فيها، وهذا لا يمنع من قيام الهيئة العامة للاستثمار بشرائها، فهي في النهاية تستهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح التي ستصب في ميزانية المال العام، فلماذا تتجه إلى الاستثمار في شركات خارجية وأمامها من الشركات المحلية ما تحقق لها مبتغاها!بشكل عام فإن دخول الهيئة للاستثمار في الأسهم المحلية ذات الفائدة الاستثمارية يحسن من وضع السوق ويدعم موقف الأسهم التشغيلية التي أثبتت كفاءتها خلال الأزمة، وحققت أرباحا جيدة، وفي النهاية فإذا كانت الهيئة تنوي الدخول في السوق فيجب أن يكون دخولها على أسس استثمارية بحتة لا على أساس المحاباة لهذا الطرف أو ذاك.دور «الغرفة»• ما هو رأيك في أداء «الغرفة» خلال الأزمة؟موقع غرفة تجارة الكويت بين نظيراتها العربية والعالمية مشرف ومصدر افتخار واعتزاز لكل كويتي، ولكن يجب أن يعرف الجميع أنها ليست جهة تشريعية أو تنفيذية أو رقابية رغم أنها كانت تمتلك ثقلاً ووزناً كبيراً أثناء فترة الرواد الأوائل من مؤسسيها من تجار الكويت، الغرفة جهة استشارية فقط، تبدي رأيها في ما يعرض عليها من قضايا اقتصادية، وقد يأخذ به أو لا يأخذ، ويجب علينا عدم تحميلها أكثر من طاقتها، لأنها عملت ما ينبغي عليها عمله من تقديم الدراسات واقتراح الحلول اللازمة للخروج من هذه الأزمة، وأبدت رأيها كذلك من «قانون الاستقرار» وأيدته كخطوة أولى على الطريق التنموي الاقتصادي الصحيح، وللعلم فإن رأي «الغرفة» دائماً ما يغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وهذا ما تعلمناه من جيل الرواد الأوائل، ولا تخشى لومة لائم في وقوفها مع الحق دائماً دون مجاملة مع طرف ضد غيره.إسقاط القروض• ما رأيك في قضية إسقاط القروض عن المواطنين؟إسقاط القروض بعد الغزو العراقي كان لظرف معين لن يعود بإذن الله، أما الآن فنحن في أزمة عالمية خانقة، وبالتالي فمن الصعب أن يتم انفاق المال العام دون تحقيق عوائد له، صحيح أن الجميع يسعى إلى تحقيق أفضل ما يمكن تحقيقه للكويت ومواطنيها، ولكننا يجب أن نراعي الوضع الذي يمر به البلد في الوقت ذاته، أنا لا أقول إنني ضد إسقاط القروض أو معها ولكن يجب أن نجد حلاً لهؤلاء المقترضين لأنهم في النهاية أصحاب أسر، وهم العائلون لها، وبالتالي فإن أي ضرر يلحق بهم هو ضرر ينعكس سلباً على أسرهم، مما يعني حدوث مشاكل اجتماعية لا نريدها أن تحدث في هذا البلد الطيب، وهناك أساليب عديدة لمعالجة أوضاعهم دون اللجوء إلى المزايدات السياسية بين السلطتين، لأن الكويت - في المقام الأول- بمواطنيها.• حدثنا عن تجربتك عن إدارة الأبناء في عمل الشركات؟حلم الآباء دائماً أن يكون أبناؤهم أفضل منهم، والشخص الوحيد الذي تتمنى أن يكون أفضل منك في حياتك هو ابنك، ولكن الأفضلية لا تتحقق وتأتي من فراغ بل يجب تعليمهم التعليم الجيد مصحوباً بالتدريب الميداني في العمل، أما مسألة أن أقوم بتسليم ابني مهام العمل دون وجود الخبرة الكافية له فإن هذ ا يعني أنه سيفشل ويُفشل العمل معه، كما أنه يضر في النهاية بمصلحة الشركة، وجعله «أداة» يتحكم بها الأب وخلق «مركزية» في عمل الشركة.صفقة «زين»• كيف ترى تأثير صفقة «زين» على أحداث السوق وارتباطه بها؟نتمنى أن تتم الصفقة بشكل إيجابي في النهاية، لما لها من أثر كبير في ضخ سيولة كبيرة في السوق تساعد على انتعاشه قليلاً، وما لاحظناه من ارتباط السوق بأكمله بهذه الصفقة في فترة من الفترات يرجع إلى أنه يفتقر إلى الإنفاق والسيولة الكافية لتحريكه، وهذا ما جعل الوضع حساساً.السوق إلى الآن يفتقر إلى السيولة وبدونها فلن يتحرك السوق، أو على الأقل سيكون خائفاً، نأمل عن طريق تنفيذ المشاريع التنموية والإنفاق العام على البنية التحتية من قبل الدولة أن تنعكس على أداء السوق إيجاباً وتحريكه من جديد.«إدارة البورصة»• ما المطلوب من إدارة البورصة في ظل عدم وجود هيئة لسوق المال حتى الآن، للحد من التلاعبات التي تحدث في البورصة؟أنا لست بصدد الدفاع عن إدارة البورصة فهناك من يدافع عنها، وقانون هيئة سوق المال نتمنى أن يتم إقراره قريباً، ووزير التجارة يدفع به بقوة ومن شأنه أن يحل الكثير من الإشكالات التي نتحدث عنها، ولكن في الوضع الحالي فإننا نرى شفافية موجودة في السوق نظراً إلى ميزانيات الشركات الفصلية بشكل ربع سنوي، وتبقى بعض التصرفات الخاطئة من قبل بعض مسؤولي الشركات المدرجة، يجب ألا نلوم إدارة البورصة عليها، بل يجب محاسبتهم من قبل مساهمي شركاتهم أنفسهم لأنهم هم المسؤولون في النهاية عن أموالهم وأسهمهم، وقانون الشركات يسمح لمن يمتلك سهماً واحداً فقط بتقديم شكوى على مسؤولي الشركة، إذا ثبتت ممارساتهم السلبية على الشركة، كما أن القضاء الكويتي العادل كفيل برد الحقوق إلى أصحابها إن طالبوا بها.دروس الأزمة• ما الدروس المستفادة من الأزمة؟التحرك بشكل سريع هو أهم ما تعلمناه من الأزمة، فالحل الذي يكلف مبلغاً معيناً من المال اليوم سيكون أكبر إن قمنا بتأجيله للغد، إضافة إلى التحرك بشكل مهني وفني دون تدخل السياسة فيه، الإخوان في مجلس الأمة بلا شك دورهم التشريعي والرقابي كبير، ولكن أرجو أن يتفهموا أن التأخير الذي يحصل حالياً ليس في مصلحة الكويت.• هل هناك رسالة تود إيصالها إلى أطراف معينة؟نحن في نعمة نحسد عليها سواء بالحرية والديمقراطية أو الموارد المالية، فيجب علينا ألا نفرط بها في أمور جانبية شخصية حتى لو كانت بيننا خلافات، وعلينا أن نتحلى بثقافة الخلاف والابتعاد عن التجريح الشخصي والالتزام بما يخدم مصلحة الكويت العامة.السلطتان التشريعية والتنفيذية مطالبتان بالابتعاد عن الخلافات السياسية التي تعرقل ما هم موجودون من أجله وهو تحقيق المصلحة العليا للبلد، فالعبرة هو أن نحول خلافاتنا إلى طاقة إيجابية نصحح بها أخطاءنا السابقة، فبعدما كنا الأوائل في كل شيء أصبحنا في المراتب الأخيرة مقارنةً بالدول المحيطة.معالجة المريضتحدث العوضي عن معالجة الأزمة وتدخل السياسة فيها، وقال: «إذا كان لدينا مريض ويحتاج إلى المعالجة فإننا نذهب به إلى الطبيب فهو المختص في علاج الأمراض، وهذا ينطبق تماماً على الأزمة الاقتصادية، فيجب علينا ترك معالجتها للفنيين والاقتصاديين المختصين بها، لأنهم أفضل من غيرهم في تدارك الموقف والوقوف على مكامن الخلل، وهم الأدرى بكيفية معالجتها».العقود الثلاثة الأولىأشار العوضي إلى أن الكويت في أول 3 عقود من تأسيسها كانت مثالاً يحتذى به في التنمية والأسلوب المميز في إدارة مشاريعها، نظراً إلى الموائمة والتفاهم الكبيرين اللذين كانا بين القطاعين العام والخاص، واهتمام الحكومة بتنمية العنصر البشري الذي يعتبر أساس التنمية في أي بلد من البلدان، وخلال هذه العقود تم تأسيس العديد من مؤسسات القطاع الخاص ذات الأسبقية خليجياً وإقليمياً مثل «البنك الوطني» و«السينما» و«الخطوط الجوية الكويتية»، غير أن هذه التنمية -للأسف- بدأت في التراجع منذ الثمانينيات إلى أن توقفت الآن.القطاع الخاص... ميزةالكويت تمتاز بوجود قطاع خاص حتى ما قبل اكتشاف النفط، بل على العكس فإن القطاع الخاص هو الذي أسس القطاع النفطي، ودخل الدولة سابقاً كان يعتمد على فرض ضرائب على واردات التجار، وما يميز هذا القطاع الخاص أنه يتفاعل فوراً مع ضخ الدولة لأموال عن طريق المشاريع، ومن المؤكد أن الحكومة تستوعب هذا الأمر، ونأمل منها طرح المشاريع الكبرى لأن الكويت قادرة على تجاوز هذه الأزمة.
اقتصاد
العوضي لـ الجريدة: الجرعة السياسية في معالجة الأمور الاقتصادية عالية جداً مشكلتنا الكبرى تكمن في آلية التحرك في ظل علاقة غير مستقرة بين السلطتين
26-11-2009