أراد أوباما باستعجاله مصادقة الكونغرس على تشريع الرعاية الصحية أن يُعاد انتخابه في عام 2012 قبل أن يختبر المواطنون العواقب  الفعلية لهذه العملية.

كان كلام المحتال المُدان بيرني مادوف على ما يبدو مقنعاً جداً بالنسبة إلى الكثير من الأشخاص الذين يُعتبرون مثقّفين وتقدميين، فإن صدقت الكلمة، فقد تنقاد إلى أي شيء.

Ad

ما من شك في أن ملايين الأشخاص سيستمعون إلى كلمة الرئيس باراك أوباما ليل الأربعاء حين سيلقي خطاباً متلفزاً أمام جلسة مشتركة للكونغرس بشأن خططه حول الرعاية الطبية. لكن إن ظنوا أن الكلام الذي يقوله هو الأهم، فقد ينجرون إلى ما هو أسوأ من مجرد تعرض أموالهم للسرقة بالاحتيال.

ثمة واقع جلي يجب أن يفوق أهميةً كل كلام باراك أوباما وكل مؤثرات الموقع حيث يدلي به، فقد حاول الدفع بالكونغرس الإسراع في إقرار عملية استحواذ حكومية ضخمة على الرعاية الطبية في الأمة قبل عطلة الكونغرس في أغسطس، وذلك لبرنامج لن يسري مفعوله قبل عام 2013.

بغض النظر عن مواصفات الرئيس أوباما، فهو بالتأكيد ليس غبياً، إن كان هدف الاستعجال في إقرار تشريع خاص بالرعاية الطبية التعامل مع مشكلة ما بشكل فوري، فلم إرجاء تاريخ وضع التشريع قيد التنفيذ لسنوات، وبوجه خاص حتى العام الذي يلي الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

إن كان هذا البرنامج فعلاً حاجة ملحّة، فلمَ الانتظار لسنوات لوضعه قيد التنفيذ؟ وإن كان المواطنون سينتفعون منه، فلمَ لا ندعهم يحصلون على تلك المنافع قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

إن لم يكن تطبيق التشريع على الفور حاجةً ملحة، فلمَ لا نملك الوقت إذن لسلك الإجراءات العادية المتبعة بعقد جلسات استماع في الكونغرس حول الحجج المؤيدة والرافضة له، مصحوبة بنقاشات رسمية لعدد لا يُحصى من الأحكام؟ أين المنطق في اعتماد «العجلة والانتظار» بشأن أمر هو فعلاً مسألة حياة أو موت؟

إن كنا لا نعتبر الرئيس غبياً، فما هو برأينا؟ يكمن المنطق الوحيد البديل على ما يبدو في أنه أراد إقرار عملية الاستحواذ الحكومية الضخمة هذه على الرعاية الطبية قبل أن يفهم المواطنون مضمونه.

فضلاً عن ذلك، أراد أن يُعاد انتخابه في عام 2012 قبل أن يختبر المواطنون العواقب الفعلية لهذه العملية.

لسوء الحظ، فإن هذا الأسلوب في إنجاز الأمور ليس غريباً عن الطريقة التي تصرّفت بها هذه الإدارة حيال مجموعة واسعة من المسائل.

خذوا على سبيل المثال التشريع الخاص بـ»الحوافز»، إذ نجحت الإدارة هاهنا في حمل الكونغرس سريعاً على إقرار مشروع قانون ضخم خاص بالإنفاق في يومين فقط، لكن هذا القانون راوح في مكتب الرئيس لمدة ثلاثة أيام خلال تغيّبه لتمضية العطلة. لكن على غرار التشريع الخاص بالرعاية الطبية، يسري مفعول التشريع المتعلّق بـ»الحوافز» ببطء.

من جهته، يقدّر مكتب الميزانية التابع للكونغرس بأنه لن يتم إنفاق حتى ثلاثة أرباع الأموال قبل سبتمبر 2010، ويتوقّع بعض الخبراء أنها لن تُنفَق البتة مع نهاية عام 2010.

لم كانت العجلة في إقراره إذن؟ لم يكن الهدف صب تلك الأموال في الاقتصاد في أسرع وقت ممكن، إنما وضع ذلك المال، والسلطة المرافقة له، في يد الحكومة. فالسلطة هي أهم ما في السياسة.

وأسوأ ما كان يمكن أن يحدث، من وجهة نظر أولئك الذين يسعون وراء سيطرة حكومية متزايدة على الاقتصاد، أن يبدأ الاقتصاد بالتعافي من تلقاء نفسه بينما استغرق الأمر أشهراً من الجدال بشأن الحاجة إلى قانون «حوافز»، وعلى حد قول رئيس هيئة الموظّفين في البيت الأبيض، رام إيمانويل، لا يمكن «هدر» أزمة في حين «أنها فرصة للقيام بما عجزت عن إنجازه مسبقاً».

ثمة أشخاص كثر في إدارة أوباما يرغبون في القيام بأمور لم يسبق أن نُفّذت، وإنجازها قبل أن يدرك المواطنون ما الذي يحدث.

فتزايد عدد «النافذين» في البيت الأبيض المسؤولين عن كل شيء بدءاً من القضايا المالية إلى الإعلامية سببه قدرتهم عينها على المراوغة في التعامل مع المواطنين والدستور. يجب ألا يحظى النافذون بتأكيد من مجلس الشيوخ، كما هي حال أعضاء الحكومة، على الرغم من أنهم قد يمارسون المزيد من السلطة، لذلك لن تعلم أبداً على الأرجح من هم هؤلاء الأشخاص إلا حين يكون الأوان قد فات.

فما يقوله باراك أوباما ليس مهماً بقدر أفعاله السابقة، وكيفية تنفيذها.