يشير الناقد السينمائي روي آدمز في كتابه «لغة الصورة في السينما المعاصرة» إلى أن قوة بازوليني تنبع من مقدرته على الإمساك بعناصر متجاورة، وخلق تشكيلات جديدة منها.
يختار بازوليني في فيلم «المسيح وفقاً لإنجيل متى» ممثلاً مغموراً، فالمسيح الذي يظهر في الفيلم يبدو كأنه قادم من مدن الصفيح ومن قلوب الفقراء والمسحوقين. صّور بازوليني هذا الفيلم في الجنوب الايطالي وتبدو حركة الكاميرا فيه كأنها تتحرك عبر عين طفل، فيها قدر كبير من البراءة والدهشة، أما في فيلم «حظيرة الخنازير» فإن بازوليني يذهب بعيداً في تجربته من خلال استغلال المونتاج بشكل خلاق. يتوازى في الفيلم خطان قد يبدوان مختلفين إلا أنهما في النهاية يصبان في موضوع واحد، فالخط الأول يحكي عن مجتمع آكلي لحوم البشر في القرن الخامس عشر، حيث تقذف الشخصية الرئيسة في الفيلم برؤوس ضحاياها في فوهة بركان ويتحول هذا الفعل إلى طقس غريب عند أفراد القبيلة التي تنتمي إليها الشخصية. والخط الثاني يرتبط بالأول في موضوعة اختراق المحرم وهي موضوعة فرويدية بامتياز، غير أن بازوليني هنا أقرب الى العصر الحديث فتظهر شخصية الفيلم شبيهة بهتلر وابنه الذي يشترك في بعض التظاهرات الطلابية، (ظهر الفيلم في 68) يبدو شاذاً، فهو لا يشبع رغبته إلا بمداعبة الخنازير.إن هذا التقابل بين عالمين مع ما يطرحه بازوليني من مقاربات رمزية، يعكس تعقيدات العالم المعاصر الحديث، عصر الحروب وظهور أبشع إمبراطوريات الشر كالفاشية والنازية والإمبريالية وسواها. بعد عام 68 يبدأ بازوليني تجربة مختلفة فيلجأ إلى الأسطورة ويوظفها في فيلمين هما «اوديب ملكاً» و»ميديا» ففي أوديب ملكاً الذي صورت بعض مشاهده في المغرب، يتعامل بازوليني بحرية قصوى مع نص سوفوكليس، ويقوم بإعادة خلق شخصيات تعكس العصر الراهن، وهنا ينزاح التأويل الفرويدي المعروف عن أسطورة أوديب لينقلنا بازوليني إلى صلب المجتمع الحديث في ايطاليا قبل الحرب العالمية الثانية.لهب الإشاراتالصحراء!لن يحدث أبداً إلّا هناك، هذا ما قلتهُ، لن يحدث إلا تحت شجرةٍ عالية ووحيدة، يظهرُ وجهُها مضيئاً كهالة القديس، صورةٌ كأنما من مرآةٍ لا تُرى تتكلم، باللوعة ذاتها كأنما بيننا بحرٌ من الحنين. كلامها يزحف إلى أطراف العالم على إيقاع نسيمٍ سحريّ كأحلام منتصف الليل.تتحدثُ عن أزهار الشر في براري الخيال. عن الألم الذي يترك أثراً على النوافذ والأبواب عن ومضة السرّ في وجه ملاكٍ ضائع عن سلالمَ محاطة بالنيران، نائمة أو مغمضة العينين -لستُ أدري- تسترسلُ في الكلام بإشارات الأرض كلها، كأنما تبحث عن بريق الذهب في قاع منجم.كلُ ايماءةٍ من رأسها تتويجٌ لخسارةٍ مبكرةٍ وأكيدة، تدعوني إلى صحرائها، جنة أسلافها المحاطة بأنوار الخليقة فلا أستطيع. الصحراء والمرأة وحدها تحت الشجرة وأحلامي محاصرة بلهب الإشارات.
توابل
بازوليني ولهب الاشارات 2
15-10-2009