استثمرت دولة الكويت جزءا لا بأس به من الدخل الوفير الذي تحقق لها في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، إثر الارتفاع القياسي في أسعار النفط آنذاك، في مشروعات البنية التحتية من طرق ومستشفيات ومدارس ومحطات للطاقة وغيرها.

Ad

وقد أسهمت هذه البنية المتطورة بمقاييس سبعينيات القرن الماضي في دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تباطأ زخمها في ثمانينيات القرن الماضي، بسبب تبعات الحرب العراقية-الإيرانية، وتدهور أسعار النفط وأزمة سوق المناخ.

وقد حققت الكويت في السنوات الأخيرة دخلا موازيا لما تحقق في تلك الفترة، لكنها لم تشهد توسعا استثماريا أو جهدا تنمويا واضحا بالرغم من حجم الاختناقات في الطرق والخدمات والمنافع، وهي اختناقات باتت معالجتها ضرورة من ضرورات الأمن الاجتماعي والقومي للبلاد.

مسيرة التنمية في الخليج

وبينما كانت دولة الكويت تقف في حقبة السبعينيات في القرن الماضي في مقدمة أقرانها من دول المنطقة، وتشكل نموذجا تنمويا يعتد به، تمكن عدد من هذه الدول على مدى العقد الأخير من الزمن في أن يطور بنى تحتية وأخرى فوقية متقدمة بمقاييس القرن الحادي والعشرين، مما جعلها تحرز قصب السبق في مسيرة التنمية الاقتصادية، فقد نجحت المملكة العربية السعودية مثلا في خلق قاعدة منتجات بتروكيماوية واستهلاكية متطورة بمقاييس الصناعة القائمة في الدول الصناعية المعاصرة، بينما نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في بناء اقتصاد متنوع شكلت فيه التجارة والسياحة رديفين أساسيين للقطاع النفطي، ونجحت البحرين في بناء قاعدة إقليمية متطورة وجاذبة لصناعة الخدمات المالية بنوعيها التقليدي والإسلامي، كما نجحت قطر في خلق صناعة غاز متطورة.

ولست أجافي الحقيقة إن قلت ان جانبا ملموسا من هذه النجاحات قد تحقق بعقول ورؤوس أموال كويتية، فعلى مدى عدة سنوات نجحت فعاليات استثمارية وطنية في تعزيز استثماراتها ووجودها في الأسواق الإقليمية المختلفة، بل وفي أسواق متقدمة ونامية خارج منطقة الخليج.

خطة التنمية الجديدة

إن أكبر خطأ أو خطيئة يمكن أن ترتكب بحق الكويت ومستقبلها هو أن تبدد ثرواتها على مشاريع إنفاق استهلاكي شعبوية غير منتجة، أو أن يستمر هذا التراجع في مستوى البنى والخدمات الأساسية من دون أن تبدأ حملة جادة واعية وإبداعية لإعادة ترتيب البيت الكويتي، وحفز تنافسية الاقتصاد الوطني، فالزمن لا يرحم، وقد صدق حكماء العرب عندما قالوا قديما الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.

إن المطلوب من خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الجديدة هو أن تكون خطة إبداعية طموحة وواقعية، إبداعية في قدرتها على الدفع بالكويت إلى مركز تنافسي أفضل، وطموحة في برامجها بما يوازي حجم التحديات التي تواجه الكويت، وواقعية بما يجعلها قابلة للتنفيذ في زمن قياسي، وقادرة قبل هذا وذاك على تخليص البلاد من شحوم البيروقراطية التي تثقل حركتها، بل وتكاد تطبق على أنفاسها. إن خطة كهذه لن تدع فرصة لمن يريد استغلال مقولة الفوائض النفطية المزعومة، أو مجالا لهواة النزعات الشعبوية الاستهلاكية من الراغبين في تبديد الثروات وفق منظور الحسابات الشخصية.