فقدت الكويت أمس احدى برلمانيها المخضرمين وقطب من أقطاب المعارضة، النائب السابق محمد أحمد الرشيد عن عمر يناهز التسعين عاما، الذي بدأ مشواره النيابي في الفصل التشريعي الاول عام 1963، ثم تلاه نائباً لفصلين متتاليين 1971 و1975 وختامه كان في الفصل التشريعي الخامس عام 1981. لُقِّب الفقيد بالنائب الشعبي المعارض جراء بروز مواقفه في المجلس، ووصفه البعض بالحدية والجدية بآن معاً بالرغم من أنه كان رحمه الله طيب المعشر صادق الوفاء ولا يضمر لأحد حقداً أو كراهية. وحين تتحدث مع الفقيد تشعر معه طيبة أهل الكويت لما يتصف به من صفاء القلب والألفة المميزة المبنية على حب الوطن ولو كلفه ذلك الموت والتضحية بروحه في سبيلها. الفقيد.. الأسرة والدراسة جاء والده أحمد الرشيد البداح إلى الكويت من (الزلفي) في "نجد" في الثلث الثاني من القرن التاسع عشر، في الفترة من عام 1762 حتى 1813 في عهد حاكم الكويت الثاني الشيخ عبدالله بن صباح، ليستقر فيها هو وأخواه تركي وعبدالمحسن، ويؤسسوا فيها عائلة "الرشيد" أو "الرشيد البداح".إختارت العائلة سكنا لها بيتاً يقع بجانب مسجد النبهان الموجود حاليا بالقرب من سوق الكويت الكبير والذي يقع داخل سور الكويت الثاني. واشتهر منهم جدهم الاول رشيد البداح وكانت الاسرة معروفة قديماً بتصدير الجلود وفرو المواشي الى روسيا، واستيراد البضائع من أقمشة وأحذية وغيرها من روسيا إلى الكويت. كما إشتهر من أفراد الأسرة المرحوم العالم والمؤرخ عبدالعزيز أحمد رشيد في بداية القرن الماضي.ولد النائب السابق محمد أحمد رشيد رحمه الله عام 1920 في بيت والده عند مسجد النبهان وبدأ دراسته عند الملا زكريا الأنصاري في مدرسته الأهلية لتعلم على يديه القراءة ثم إستكمل دراسته في المدرسة الأحمدية التي كان أخوه عبدالعزيز مدرساً فيها عام 1926.تزوج الفقيد عام 1942 والمرة الثانية عام 1964 وله من الأولاد خمسة هم أحمد، معن، أنس (الذي كان وزيراً سابقاً للإعلام بين عامي 2005 و2006)، عبدالمحسن، عبدالوهاب. وكان له من البنات عشر. عمله قبل احتراف السياسة عمل الفقيد في بداية حياته بالغوص على اللؤلؤ ثم إلتحق للعمل بحاراً في السفن الشراعية الكبيرة التي تنقل البضائع من وإلى الكويت وفي خمسينات القرن الماضي عمل رحمه الله في التجارة التي كانت السبب في توطيد علاقاته الإجتماعية وزياراته لدواوين أهل الكويت، فاكتسب من هذا الأمر معرفة وعلماً بالرغم من أن عمره يومها لايتجاوز 35 عاماً.ولع بالزراعة منذ شراءه مزرعة وبيتاً في مصيف "بلودان" السوري عام 1957 واستمر هناك ينمي إهتمامه بالزراعة حتى زادت رقعة أراضيه المزروعة، ويصدر إنتاجها إلى الكويت. ذلك العشق للزراعة جعله من أوائل العاملين فيها والمتملكين لأراضٍ زراعية في الكويت حيث غدت مزرعته مشروعاً أخضر مشهود لها، وليصبح أول رئيس لإتحاد المزارعين الكويتيين. وهو أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية الشامية التعاونية عام 1962.خلال تلك المدة بدأت الحياة النيابية تطرق باب قلبه وعقله خاصة منذ إنتخابات المجلس التأسيسي عام 1962، فقد كان الفقيد مواضباً على متابعة وحضور جلسات المجلس مما ساعده على تكوين قناعة وهي أن خدمة الكويت وأهلها عمل وطني مشروع لابد أن يخوضه بكل همة وعزم. "فصوله" بمجلس الأمة فاز بإنتخابات مجلس الأمة للفصل التشريعي الأول عام 1963 وكان عمره لم يتجاوز بعد 43 عاماً، وذلك عن الدائرة الإنتخابية الثانية (القبلة). وانتخب في مجلس الأمة الأول مراقباً للمجلس الذي كان يترأسه في وقتها المرحوم عبدالعزيز حمد الصقر. كما انتخب عضواً في لجان عدة منها لجنة الشكاوي.في 29 مايو 1963 تقدم رحمه الله بأول استجواب في تاريخ الكويت وتوجه به ضد عبدالله مشاري الروضان وزير الشؤون الاجتماعية والعمل. على خلفية توزيع قسائم سكنية في منطقة العديلية. حيث كانت شؤون الاسكان في ذلك الوقت منوطة بوزارة الشؤون الاجتماعية، وانتهى الاستجواب عند الخطوة الاولى، حيث اكتفى النائب محمد الرشيد برد الوزير وقام بسحب الطلب. نشط الفقيد رحمه الله في القضايا العامة وتصدى في حياته لكثير من مظاهر التسلط والاستغلال، وكان دأبه حين كان عضواً في مجلس الأمة مثلما كان دأبه قبل أن توصله الإرادة الشعبية إلى قبة البرلمان. وخاض رحمه الله في حياته العديد من المعارك التي تنجم عن شبهة تجاوز أو إستيلاء على حقوق الآخرين. فقد كانت صراحته تتعدى الحدود مما سببت له العديد من المواقف والإشكالات في حياته السياسية التي بدأها في مجلس الأمة الأول، واستمرت عضويته في المجالس النيابية المتعاقبة – ما عدا المجلس الثاني – حتى أخر مجلس تمثل فيه وهو المجلس الخامس ليتوقف بعدها عن ترشيح نفسه وقد بات مستودعاً يحوي ذكريات الحياة النيابية في الكويت. كادر دواوين الإثنين...والدفاع عن الدستور في يوم 8 يناير 1990 تعرض الفقيد للضرب من قبل القوات الخاصة، وكان عمره سبعين عاماً، بعد أن تدخلت القوات لتفريق الحشود التي طالبت بالدخول إلى ديوانية أحمد الشريعان في منطقة الجهراء حيث كان مقررا الاجتماع فيها. وقد وقف الحضور الذي قدر بسبعة آلاف شخص حول الديوانية، وكان من ضمنهم النواب الذين دخلوا إلى المنطقة عن طريق بعض الطرق الداخلية وبين البيوت.كان رحمه الله من أشد المدافعين عن الدستور وعن حقوق الشعب الدستورية، وله مواقف شجاعة في التصدي للفساد والانحرافات البرلمانية. و"الجريدة" التي آلمها هذا المصاب تتقدم من آل الرشيد الكرام بأحر التعازي وتدعو للراحل الكبير بالرحمة والغفران.إنا لله وإنا إليه راجعون،،،
محليات
أبو أحمد في ذمة الله
15-05-2010