يفوق عدد الاختبارات الجينية المتوافرة راهناً الألف اختبار، ويشهد نطاق تطبيقها توسّعاً وتجدّداً مستمراً مع مرور الأيام. ما هي الأمور التي تكشف عنها هذه الاختبارات وما هي حدودها؟من المدهش أنّ التقدم العلمي أصبح يتيح استكشاف الخارطة الجينية وفك رموز المورّثات. لكن هل نرغب فعلاً في معرفة ما سيصيبنا من أمراض في المستقبل؟ هل فكّرنا ملياً بالعواقب التي قد تخلّفها هذه المعرفة على حياتنا ومجتمعنا؟ إنها إحدى النقاط المثيرة للجدل التي يطرحها التطوّر الراهن الذي تشهده الاختبارات الجينية. على الإنترنتشهدت الدراسات تطوراً هائلاً في مجال الأمراض الوراثية. لكن لا يمكن الخضوع لهذه الاختبارات إلا في إطار استشارة طبية يشرح خلالها الأطباء الاختصاصيّون الاختبار ويقدّمون الدعم اللازم إلى العائلات المعنية. لكنّ بدء ظهور الاختبارات على الإنترنت يغيّر الوضع القائم. منذ خريف العام 2007، أُطلقت مجموعة جديدة من الاختبارات التي تكشف عن عوامل الخطر مثل احتمال الإصابة بارتفاع ضغط الدم أو داء السكري في المستقبل. هل الأمر نعمة أم نقمة؟ لكل اكتشاف إيجابياته وسلبياته. لكنّ جميع الاختبارات الجينية المتوافرة على الإنترنت راهناً لا تقدّم معلومات وافية وليست دقيقة تماماً. ما هي منافعها إذاً؟1 - تحديد أصل المرضاليوم، يمكن تشخيص نصف الأمراض الوراثية المعروفة من خلال الاختبار الجيني.متى يجب الخضوع للاختبار؟ في حال عانى الطفل خللاً معيناً أثناء نموّه أو واجه عوارض لم يجد لها الأطباء تفسيراً أو في حال ظهور مؤشرات وراثية مألوفة... تدلّ هذه الأمور على وجود مرض وراثي. يمكن تحديد الحالة بشكل أدقّ عبر استشارة الاختصاصيين، سواء كان المرض معروفاً (اعتلال عضلي، أمراض الدم) أو غير معروف، والخضوع للعلاجات، إذا وُجدت، لإنقاذ حياة الطفل. الأهم إذاً هو تشخيص المرض في مرحلة مبكرة.ولماذا؟ تتيح الاختبارات تحديد الاضطرابات غير المألوفة، وتغيير نظرة الآخرين إلى بعض الأمراض، واقتراح العلاجات إذا أمكن (لكنها تبقى نادرة للأسف)، وإعطاء معلومات وافية حول طريقة نقل الخلل أو المرض. إذا ظهر المرض للمرة الأولى في العائلة، وهو أمر شائع، لا داعي لأن يقلق أفراد العائلة جميعاً، إذ يقلق الكثير من الإخوة والأخوات والأطفال والأقارب بسبب إصابة أحد أفراد العائلة بإعاقة معينة، فيصعّبون حياتهم من دون سبب وجيه. لكن قد يوضح الطب الوضع الصحي في معظم الحالات.2 - كشف عن الأمراض عند الولادةيستفيد جميع المواليد الجدد من الكشف المبكر عن أمراض عدة. إنها حالة تضخّم الغدة الكظرية الخلقي أو التهاب الغدة الدرقية الخلقي، وغيرهما من الأمراض الوراثية. كذلك، بإمكان الأطفال اليوم الاستفادة من فحص داء المنجليات (مرض يطاول كريات الدم الحمراء).متى يجب الخضوع للاختبار؟ خلال الأيام الأولى التي تلي ولادة الطفل. تُستخرَج بضع قطرات دم من كعب رِجل الطفل وهو لا يزال في قسم الحضانة.ولماذا؟ أجمع العلماء على ضرورة الكشف المبكر عن هذه الأمراض لأنها لا تظهر عند الولادة. لكن ثمة علاج يتيح لأولئك الأطفال المرضى النمو بطريقة طبيعية، شرط بدء العلاج في مرحلة مبكرة.3 - تشخيص ما قبل الولادة يفيد هذا الفحص في تشخيص متلازمة داون والأمراض التي تطرح خطراً استثنائياً على صحة الطفل.متى يجب الخضوع للاختبار؟ إذا كان خطر الإصابة بمتلازمة داون مرتفعاً لدى الطفل. يُشخَّص هذا المرض إذا ظهر مؤشر على وجود خلل معين في دم الأم أو بحسب وضوح الصورة الصوتية. لكن وحده الاختبار الجيني يتيح تأكيد إصابة الطفل والحصول على عينة من خلايا الجنين وتحليل النمط النووي وفحص السائل السلوي. إنه فحص مهم بالنسبة إلى الأهل الذين سبق وأنجبوا طفلاً مصاباً بمرض وراثي خطير، لا سيما أن الأهل يحيطون طفلهم بالحب والرعاية التامة لكنهم قد يعجزون عن تربية طفل مريض آخر. كذلك، يُعتبر هذا الفحص مهمّاً إذا كان أحد الوالدين يظن أنه قد ينقل مرضاً وراثياً خطيراً الى أطفاله. في حال ظهور أي مؤشرات خطيرة في الصورة الصوتية، قد يرصد الطبيب خللاً معيناً متعلقاً بمرض وراثي. إذا كان الجنين كثير الحركة، قد يشك الطبيب في إصابته باعتلال عضلي، لذا قد يقترح إجراء اختبار من خلال سحب السائل السلوي.ولماذا؟ إذا أظهر الاختبار أنّ الطفل سيولد وهو مصاب بمرض وراثي، قد يطلب الأهل إنزال الجنين لأسباب صحية. لكن إذا قرروا الاحتفاظ بالطفل، سيضطرون إلى الاستعانة بفريق طبي كامل للاعتناء بحاجات الطفل بعد ولادته. في بعض الحالات، قد يلجأ البعض إلى وسائل الحمل الاصطناعية، أي بمساعدة طبية، لإجراء تشخيص مسبق: يُجرى الفحص قبل تلقيح المرأة اصطناعياً مع تجنّب نقل الخلايا التي تحمل الخلل.4 - تحديد درجة الحساسيةتُقاس الأدوية اليوم بحسب وزن المريض. يتركّز معظم الأبحاث في هذا المجال حول أنزيمات الكبد التي يتراجع نشاطها بوجود بعض الاختلالات الخطيرة. لذلك، يرتفع خطر الجرعة الزائدة لدى المريض. يبدو أنّ معظم سكان جنوب شرق آسيا مثلاً يعانون هذا الخلل الوراثي. لذا تُعتبر جرعات الأدوية العادية قوية بالنسبة إليهم. باختصار، لا تعطي الأدوية المفعول نفسه لدى جميع المرضى.5 - معرفة درجة خطر الإصابة بمرض وراثيلا يظهر بعض الأمراض الوراثية إلا في سن الرشد. لكن يمكن أحياناً رصد درجة الخطر قبل ظهوره.متى يجب الخضوع للاختبار؟ يصعب توقّع المستقبل الصحي لأي شخص في حال تكرر ظهور مرض وراثي معين في العائلة. يكون الأمر مأساوياً مع مرض هانتينغتون العصبي تحديداً. إذا كانت نتيجة الفحص إيجابية في هذه الحالة، فهي تدلّ على أنّ المرء سيُصاب بلا أدنى شك بالمرض في سن الخمسين. لكن لا وجود لأي علاج مفيد لمكافحة هذا المرض. على صعيد آخر، تضاعفت الاستشارات الطبية في أقسام أمراض السرطان حول العالم في السنوات الأخيرة، وتحديداً سرطان القولون والثدي. في 5% من الحالات، تكون الإصابات وراثية.ولماذا؟ إنه فحص مهمّ بالنسبة إلى من يحمل المرض ومن لا يحمله، للمساعدة في تنظيم الحياة. في حالات السرطان، على المريض الخضوع لعناية خاصة وتدابير وقائية وفحوصات تشخيصية، لا سيّما في حالات الكشف عن سرطان الثدي.اختبارات تخدم العدالة يمكن استخلاص الحمض النووي من الشعر المتساقط واللعاب وخلايا الجِلد الميتة. إنها منافع مهمة قد تستفيد منها الشرطة العلمية التي تستطيع تحديد المشتبه به في جريمة معينة من خلال أخذ عينات متفرّقة من ساحة الجريمة، منها السائل المنوي والدم اللذان يحتويان على الحمض النووي أيضاً. بعد هذه الخطوة، يقارن العلماء النتائج مع عيّنات مستخرجة من عائلة الشخص المطلوب. إنها اختبارات مفيدة جداً. لكن يجب استخراج العينات بتقنية عالية للتأكّد من مصداقية النتائج.
توابل - Fitness
الاختبارات الجينيّة... ما نفعها؟
19-05-2010