في الوقت الذي تكثر فيه مطالبات المحققين التابعين للإدارة العامة للتحقيقات بزيادة الرواتب، يتعين على شباب الإدارة العمل على إصدار قانون من خلال التحرك باتجاه نواب الأمة، تُحال بموجبه تبعية الإدارة إلى السلطة القضائية.

في الوقت الذي يتحرك فيه عدد من منتسبي الإدارة العامة للتحقيقات، لإقرار مشروع زيادة رواتب المحققين فيها، مازالت التساؤلات تثور بشأن مصير الإدارة التي مازالت تعاني ازدواج الهوية، بسبب منتسبي تلك الإدارة من الحقوقيين والعسكريين، ما أدى إلى ضياع هوية الإدارة وجعل الكثيرين يعمل على تصنيفها بأنها إحدى الإدارات التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، شأنها شأن الإدارة العامة للجنسية والجوازات أو حتى الإدارة العامة للهجرة، لسبب بسيط وواضح، أن القياديين في وزارة الداخلية ينظرون للأسف إلى الإدارة العامة للتحقيقات على أنها جهاز تنفيذي لا جهاز قانوني يمارس عملا قضائيا يقترب كثيرا من العمل الذي يؤديه وكلاء النيابة العامة التابعون للسلطة القضائية، وبقاء الإدارة تحت إشراف وزير الداخلية الذي له حق حفظها، يؤكد هذه القناعة، بل وتعيينه المحققين العاملين في الإدارة العامة للتحقيقات.

Ad

جهاز تنفيذي 

وإزاء وصاية وزير الداخلية على الإدارة العامة للتحقيقات بحكم قانون، لا يمكن التفاؤل بعودة هذا الجهاز إلى حضنه الأصيل في السلطة القضائية، بسبب تمسك وزارة الداخلية بتبعية الإدارة لها رغم أن هذا الإشراف يفقد الإدارة ليس حيادتها بسبب إشراف جهاز تنفيذي عليها فقط، إنما لأنه يفقدها هويتها، والسند على ذلك إشراف العسكريين على المحققين القانونيين، وشتّان بين نظرة العسكريين إلى المتهمين وبين نظرة القانونيين من المحققين إلى المتهمين، وهو أمر يدخل في طبيعة تعامل المحقق مع الدعوى الجزائية، بسبب طبيعة الدراسة التي تلقاها لا بسبب شخص المحقق، وبالتالي فإن الإدارة العامة للتحقيقات بحاجة إلى نفضة حقيقية ورغبة حقيقية في وضع الأمور في نصابها الصحيح، بأن يعاد أمر الإدارة المعنية بالتحقيق في الجنح إلى النيابة العامة، لأن إسناد أمر التحقيق إلى الإدارة العامة للتحقيقات التابعة لوزارة الداخلية كان لظرف استثنائي مؤقت لا يمكن أن يستمر بأي حال من الأحوال أكثر من 40 عاما!

قبول 

إن المراقب لعدد الدفعات التي تم قبولها في الإدارة العامة للتحقيقات، وعدد المحققين المنتسبين خلال السنوات الثلاث الماضية، وقد يكون عددهم فاق الـ250 محققا، لا يمكن إلا أن يتعجّب من عدد الهاربين بعد تعيينهم في تلك الإدارة بسنة أو أقل، واتجاه بعضهم إلى العمل في المحاماة، والبعض الآخر إلى الوظائف الحكومية، وهناك من هو جالس في منزله ينتظر فرج ربه رغم تفوقه دراسيا، سواء في كلية الحقوق أو حتى في معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية، الذي تلقى فيه الدراسة قبل تعيينه محققا في الإدارة، لكن سوء الأحوال الوظيفية دفعه إلى الهروب من تلك الإدارة، لسببين إما فوضى العمل الوظيفي أو لضياع هوية الإدارة، والأعداد الهاربة من العمل ليست بحاجة إلى عناء البحث فالإدارة تعرفها جيدا وقد يقترب عددها من 50 محققا لم يتمكنوا من التأقلم مع هذه الإدارة المقلقة!

نواب الأمة 

لا يمكن للعاملين على إصلاح الإدارة العامة للتحقيقات من فئة الشباب المحققين الراغبين في تعديل وضع الإدارة، إلا أن يتحركوا باتجاه نواب الأمة لإصدار قانون ينقل تبعية هذه الإدارة إلى السلطة القضائية، فاستمرار هذا الجهاز تحت إشراف وزير الداخلية الذي لا نشك أبدا في أمانته وحياديته، أمر معيب لوزارة الداخلية ولوزيرها الذي عودنا على حمايته تطبيق نصوص الدستور ومن بعده القانون، ونصوص الأول تؤكد اختصاص النيابة العامة وحدها في الجنح والجنايات، وبالتالي يتعين إسناد أمر التحقيق في كل الجنح إلى النيابة العامة، بإصدار قانون يحيل تلك الإدارة وأمر تنظيمها إلى السلطة القضائية، التي حينها قد تقوم بعمل تشكيل لجنة لدراسة وضع الإدارة وإخضاعها لإشراف السلطة القضائية التي سيكون بمقدورها أن تستوعب حجم هذه الإدارة، وحتى التابعين لها من القانونيين.

العدل يا وزير الداخلية!

في الوقت الذي يتعين فيه أن يمارس أعضاء الإدارة العامة للتحقيقات صلاحياتهم وفق معطيات التحقيق مع المتهمين، يكشف الواقع العملي أن المحققين لايصدرون قراراتهم إلا بعد الرجوع إلى كبار المسؤولين في الإدارة، والمصيبة الكبرى ان إحدى القضايا المرفوعة من أحد الكفلاء ضد أحد العمال بالتغيب لم يستطع حتى رؤساء التحقيق حسم أمرها، والأمر يتطلب للأسف عرضه على مدير الإدارة العامة للتحقيقات، والكارثة الكبرى أن المسؤولين في التحقيقات لا يبالون بأمر حجز المتهم العامل إلى مدة تطول عن 10 أيام رغم أن القانون يعطي المحققين ممارسة صلاحياتهم، والسؤال لو كانت الإدارة جهات قضائية فهل سيكون التعامل مع المتهمين كما يحدث الآن، وهل يقبل وزير الداخلية أن يحجز إنساناً ولم يحقق معه ولا ترضى الإدارة العريقة تسلمه لانه ضبط بلا جواز سفر، والسبب أن الكفيل متوار عن الأنظار بسبب قضايا ضده، أليست هذه مصيبة ياوزارة الداخلية إما أن تخلي سبيل الرجل وإما أن تحيل الأمر إلى وزارة الشؤون التي نتمنى من وكيلها الوقوف إلى جانب الرجل المظلوم.