أقل ما يقال في فتوى وزارة الأوقاف إنها مشروع انقلاب على الدستور ودعوة صريحة إلى الفتنة بين الكويتيين وطعن في ثوابت المجتمع الكويتي، لا يجوز أن تمر مرور الكرام، ولن نسكت عنها على الإطلاق.تؤكد الفتوى المتخلّفة التي أقرتها دائرة الإفتاء أمس، أن التحالف بين السلطة والإسلام السياسي الذي بدأ في منتصف السبعينيات تحول الى امر واقع ووصل إلى أقصاه، فالمسعى المستمر منذ 30 عاماً إلى إعادة المجتمع الكويتي إلى وراء، حقق خطوة خطيرة بإلزامه المرأة بالحجاب معتدياً على المادة الثانية من الدستور، وممهداً لعملية تغيير جذري في بنية النظام. أخفق المتأسلمون والدائرون في فلكهم في تغيير المادة الثانية من الدستور، فعمدوا إلى تفتيتها بسلسلة قرارات وقوانين أبرزها منع الاختلاط، ثم تشرفنا بـ"ضوابط هايف" التي تطورت إلى "تحديد الضوابط" وانتهينا بالحجاب، ونحن اليوم نشهد حصاراً تاماً لهذه المادة بل تعديلاً غير معلن بحيث صارت "المصدر الرئيسي للتشريع" بدلا من أن تبقى أحد مصادره وتبقى الكويت بلد الإيمان المعتدل والانفتاح.ما اقترفته وزارة الأوقاف أمس يرقى إلى مستوى الجريمة، لأنه تنفيذ لمؤامرة تسعى إلى تغيير النظام، وهي تلقى هوىً لدى بعضهم وتشجيعاً من نافذين وتلعب على أوتار مجاميع التخلف والجهلاء.وإننا إذ ندعو إلى تضامن القوى الحية في المجتمع الكويتي للتصدي للانقلاب فإننا نسأل رئيس الوزراء كيف يمكنه تبرير فتوى معتمدة وموقعة من نائبه وزير العدل ومرسلة رسمياً إلى مجلس الأمة، فليقل لنا ما هو موقع الدولة المدنية وأين الدستور من هذه الفتاوى الهادفة إلى إلغائه؟ وليجبنا رئيس الوزراء هل سيقيل الدكتورة موضي الحمود استناداً إلى هذه الفتوى "الدكاكينية" أم يخيّرها بين الاستقالة وارتداء الحجاب، مثلما نطالب رئيس مجلس الأمة بإبلاغنا هل سيمنع النائبتين أسيل العوضي ورولا دشتي من دخول قاعة عبدالله السالم أم سيطلب منهما ارتداء الحجاب عند الدخول؟ والسؤال موجه إلى النواب والقوى السياسية والمجتمع المدني: هل نعي جميعاً أن ما يجري هو قضم منظم للنظام ومقامرة بمستقبل دولة ومجتمع وأجيال؟تقلقنا فتوى وزارة الأوقاف ونشعر بخطورتها ونعلم خلفياتها ومقاصد جوقة المشجعين عليها، لكنها تدفعنا أيضا إلى التفكير في ما هو آتٍ والذي قد يكون أسوأ وأمرّ. فاليوم الضوابط الشرعية للمرأة وغدا ضوابط شرعية للرجل. اليوم فتوى قد تبطل الانتخابات بحجة المرأة والحجاب وغداً قد تُطرَح ضوابط تمنع نيابة الرجال وتوزير مَن لا يحفون الشوارب ويطلقون اللحى ولا يقصّرون الدشاديش أو يلبسون البدلات.ليس ما تقدم شيئاً من نسج الخيال، فكلنا قادر على تخيّل مجموعة نواب تتقدم بمشروع قانون يفرض على النواب والوزراء أنواعاً محددة من الصلاة والصيام وامتناعاً مطلقاً عن الاختلاط، وكلنا قادر على تصور النتائج الكارثية لهذا الاتجاه.صارت أوضاعنا مضحكة لكنها مبكية أيضاً، لأن حفنة من المتخلفين والمتحالفين معهم يريدون التحكم في رقاب الناس وفي أسلوب عيشهم وتفسير الدين على نهج التطرف والطالبان محققين نجاحاً تلو نجاح.ولن نستعرب يوماً لو وضع هؤلاء "ضوابط" ليس للنائبات والنواب والوزراء فحسب بل أيضا لرئيس الوزراء وغير رئيس الوزراء، مادام التطاول يمر بالرضا ودفن الرؤوس في الرمال وبالصفقات الضامنة للاستمرار.الجريدة
محليات
افتتاحية فتوى الانقلاب
08-10-2009