فتحي العريبي فنان ليبي صاحب بصمة فريدة في عالم التشكيل. اختار التصوير مجالاً إبداعياً فنبغ فيه وأضاف إليه كثيراً من حسه وتلقائيته. عشقه للكاميرا يجعلك تتعايش مع كل صورة التقطها بعدسته في لحظة توهج، فهو قادر على تثبيت الزمن في اللحظة المناسبة لتخرج الصورة إلى النور ومعها قصص وحواديت إنسانية رائعة، نتعرف إلى جانب منها عبر الحوار التالي مع أول مصور ليبي يمنح جائزة الفاتح التقديرية للفنون والآداب عام 1999.كيف بدأت رحلتك مع الفن، ومن صاحب الفضل في اكتشاف شرارة إبداعك الأولى؟ وجدت نفسي في بيت ثري محب للفن. كان والدي (رحمه الله) تاجر ذهب، يملك كمية هائلة من أسطوانات عبد الوهاب وأم كلثوم وأسمهان، و{غرامافوناً» ضخماً يُدار بالزنبرك وله بوق كبير يشبه القمع، وكاميرا «كوداك» صندوقية الشكل صورنا بها كثيراً في البيت وفي رحلات الربيع الخلوية، وما زلت أحتفظ بها في خلوتي المسماة «عش الحمامة».من هنا جاء ولعي بمجموعة من الفنون دفعة واحدة: الرسم، الموسيقى، الغناء في برامج الأطفال الإذاعية، التصوير الفوتوغرافي في الرحلات الكشفية، ومن دون أن أدري تَشكلتُ فناناً شاملاً واشتهرت في الأوساط الصحافية والثقافية الليبية كفنان مصور، ثم أصبحت أول مصور ليبي يمنح جائزة الفاتح التقديرية للفنون والآداب عن دوري الرائد في فن التصوير عام 1999، وقبل ذلك وبعده نلت جوائز عربية ودولية رفيعة المستوى.في بداية مشوارك الفني، لماذا اخترت التصوير دون ألوان التشكيل الأخرى؟وجود الكاميرا في البيت منذ طفولتي شجعني على فك أسرارها، وأتقنت استعمالها في ما بعد عبر تواصلي المستمر والمباشر مع الفنان المصري الراحل عبد الفتاح رياض، أستاذ التصوير السينمائي في معهد السينما في القاهرة في ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي، كذلك درست كتبه الموسوعية في التصوير الفوتوغرافي والسينمائي وأخذت بتوجيهاته القيمة.بعد هذه الرحلة الطويلة مع الفن، ماذا تعني الكاميرا بالنسبة إليك؟الكاميرا حبيبتي وأنا حبيبها، بحسب إحدى روائع نزار قباني.في إحدى مراحل حياتك تحولت إلى العمل في مجال الإخراج؟ وغالبية المثقفين الليبيين تجمع، مثلك، بين الكتابة والفن والتمثيل والإخراج. ما سر هذه الظاهرة، وهل تصب في مصلحة التجربة الإبداعية أم تربك المتلقي؟قد يصاب المتلقي أيضاً بإرباك شديد من خلال فنان واحد متخصص، فنان لا يتقن فنه أصلاً وغير محيط بقواعده الجوهرية وغير مواكب لمستجدات عصره. في حالتي الأمر مختلف، بدأت مشواري الفني كمصور صحافي ومررت بالتصوير السينمائي التسجيلي بكاميرا 16 ملل، ثم طورت أدواتي بالدراسة المنهجية في ألمانيا (تصوير سينمائي ومونتاج) عام 1969 وفي بريطانيا (كتابة سيناريو وإخراج تلفزيوني للبرامج الثقافية) عام 1978. في الستينيات من عمري عدت راضياً مرضياً إلى الكاميرا الفوتوغرافية كمصور. زد على ذلك أنني على معرفة واسعة بالفن التشكيلي تأليفاً ونقداً، ودراستي للموسيقى في شبابي منحتني أذناً ذواقة، لذا تجدني منحازاً إلى صوت الخالدة أم كلثوم والعبقري محمد عبد الوهاب والعندليب عبد الحليم حافظ، وتعلمت من دراستي السيناريو أنه على الكاتب أن يضع نصب عينه القول المصري «هات من الآخر». وهذا مفقود في جميع الأفلام والمسلسلات المصرية. فالكتاب وهم كثر و{أي كلام»، يبدأ الواحد منهم قصته وليست لديه فكرة مسبقة ومتقنة ومقنعة عن نهاية العمل الذي يأتي في الحلقة الأخيرة مفبركاً على عجل وعلى نحو هزيل ومختصر.عشقك للإسكندرية واضح في أعمالك، ماذا أضافت هذه المدينة إلى إبداعك؟أنا الذي أضاف إلى أرشيفها التسجيلي لقطات غير مسبوقة، لكنها من جهة أخرى منحتني، دون سائر مدن العالم، الأمن والأمان لي ولكاميرتي، إذ لا أجد صعوبة في التجوال فيها أثناء تصوير حواريها وأزقتها، وأحد طقوسي زيارة منطقة كوم الدكة وبيت فنان الشعب سيد درويش، وتصويرهما.كيف ترى واقع الحركة التشكيلية العربية، وكيف يمكن مواجهة أبرز السلبيات فيها؟التشكيل العربي، منذ أوائل القرن العشرين وظهور الجيل المُسمى في مصر بـ{الرواد»، اتسم بأن الفنانين كانوا يستنسخون المدارس الأوروبية على قماشة الرسم على نحو يحاكي التأثيرية تارة والواقعية والدادائية والسريالية والتكعيبية والتجريدية والشخباطية تارة أخرى. والأعمال التشكيلية التي شاهدتها في معارض ومتاحف مصر وفي أقطار عربية أخرى تؤكد ذلك. التشكيل العربي الحقيقي ليس اللوحة المنفذة على مسند الرسم الأوروبي. إذ لا يزال الفن العربي الحقيقي بكراً وفرصة اكتشافه سهلة، فهو موجود في العمارة الريفية والقروية وفي الواحات البعيدة في أبوابها ونوافذها وفي السجاد الصحراوي والحرف الشعبية. ماذا عن إحدى صورك التي نُشرت باسم فنان آخر في جريدة «القاهرة» الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية؟نعم، هذا ما حدث باعتراف الجريدة التي نشرت تصويباً كان برأيي أقبح من ذنب في عددها الصادر يوم 18 أغسطس (آب) 2009.هل صحيح أنك طالبت وزير الثقافة المصرية فاروق حسني بتعويض مليون جنيه ولوحت بتصعيد الأمر قضائياً؟صحيح. وعدلت في رسالة مباشرة إلى هيئة تحرير جريدة «القاهرة» عن التعويض المادي بمليون كتاب من الإصدارات المصرية الحديثة وفي مقدمها سلسلة كتب «العين تسمع والأذن ترى» للفنان د. ثروت عكاشة، وجميع الكتب الصادرة عن مكتبة الأسرة. ولن أقاضي الفنان الجميل فاروق حسني أبداً... أبداً.ما المقصود بفن الكراسي، ولماذا خصصت مجلة إلكترونية في هذا السياق؟للكرسي حضوره في القصة والقصيدة والدراما («مرسي عايز الكرسي»، «كرسي في الكلوب»، «كرسي الاعتراف»...) وفي زيارتي الأخيرة إلى الإسكندرية رصدت من خلال مكتبة «المتحف الصغير» للفنان الصديق عصمت داوستاشي الكتب التي يزين أغلفتها الكرسي في أشهر أعمال كبار الفنانين الأجانب والعرب والمصريين.كذلك الكرسي موجود في الفنون التشكيلية الرفيعة (بيكاسو، دالي، مايكل أنجلو) وفي السياسة والأديان المنزلة (آية «الكرسي» في القرآن الكريم) وغير المنزلة (الفرعونية، الإغريقية، الرومانية...)، وحاضر في البيت والمقهى والمطار وعلى الشاطئ والقائمة تطول. ومجلة «كراسي» اسم غير مسبوق على صعيد النشر الإلكتروني أو الورقي.هل أصبح الفن التشكيلي للصفوة فحسب؟الفن التشكيلي العربي السائد لا هو للصفوة المتحذلقة، وترفضه العامة شكلاً وموضوعاً. ويمكن وصفه بالفن المعاق أو المشلول أو الهلامي التكوين، فلا هو عربي الجذور ولا يرقى أبداً إلى المستوى الأوروبي المعروف.
توابل
الفنان الليبي فتحي العريبي: التشكيل العربي يعتمد على استنساخ المدارس الأوروبيّة
23-09-2009