دخلت الطرق الصوفية في مصر على خط أزمة توريث الحكم وأصبح لها دور في التكتلات الانتخابية البرلمانية، وآراء علنية في الحياة السياسية... مقولات تتردد في الساحة المصرية راهناً، لفتت انتباه كثيرين وقادت مع مقولات ودلالات أخرى، الباحث الدكتور عمار علي حسن إلى البحث في تنشئة الطرق الصوفية السياسية وثقافة الديمقراطية ومسار التحديث لدى تيار ديني تقليدي.

Ad

صدر «التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر» عن «دار العين»، وكان في الأصل رسالة ماجستير تضمنت دراسة نظرية وميدانية حول الصوفية والتصوف، ثم أضيفت إليها ملاحق ترصد علاقة الطرق الصوفية بالنظم السياسية المصرية المتعاقبة منذ محمد علي إلى الآن.

عرض الكتاب مفاهيم التنشئة السياسية والتصوف وعلاقة الظاهرة الدينية بالظاهرة السياسية، ثم تطرق إلى قيم الحرية والعدالة والمساواة والتسامح والانتماء والانخراط، وصولاً إلى تحولات التدين إلى أيديولوجيا وفلكلور وأساطير وتجارة وثقافة سائدة وتأثير ذلك على سلوك الأفراد السياسي، ناهيك عن باب حول الدين والثقافة السياسية المصرية، وتأثيرهما على تطور علاقة الحاكم بالمحكوم التاريخي منذ العصر الفرعوني وحتى العصر الحديث.

فرد الباحث فصلاً مطولاً عن مكونات تنشئة المتصوفين المصريين السياسية، موزعاً إياها على الجوانب الفكرية والتنظيمية التاريخية، فدرس القيم السياسية الناتجة من لغة المتصوفة وأفكارهم التي تدور حول الزهد والمعرفة الحدسية والولاية والمحبة، ثم بيّن دور تنظيم الطرق الصوفية الإدراي في صناعة الثيوقراطية، وأخلاق السياسة ومسارات الشرعية الكامنة في تسلسل المتصوفة الروحي. وفي البعد التاريخي تناول الباحث علاقة المتصوفة بالسلطة السياسية في مصر منذ صلاح الدين الأيوبي وحتى الآن، وعلاقتهم بالجماهير العريضة، والجماعات والتنظيمات الإسلامية الأخرى، وهنا يضعهم في مقارنة مع مسار الأزهر الشريف السياسي.

في الجانب الميداني توسل الباحث بـ «دراسة الحالة» واتخذ من الطريقتين الصوفيتين، الحامدية الشاذلية والخليلية، ثم من الطريقة «البرهانية» حالة للمقارنة.

اختار عينة ممثلة من هاتين الطريقتين للإجابة عن تساؤلات شملها الاستبيان وتسعى إلى اختبار معارف المتصوفة وقيمهم واتجاهاتهم السياسية.

كذلك سعى الباحث إلى قراءة ما وراء الأرقام الناتجة من الاستبيان، ومعايشة المتصوفة عن قرب عبر منهج «الملاحظة بالمشاركة» لتقديم تحليل كيفي لواقع المتصوفة إلى جانب ما طرحه من تحليل كمي، يشمل موقف الطرق الصوفية السياسي والاجتماعي من القضايا المطروحة. في سياق متصل، أتاح الباحث مجالاً لدراسة «ثقافة الديمقراطية لدى المؤسسات الدينية الدعوية»، وشروط إدماج أصحاب «الرؤى الإسلامية» في حياة سياسية ديمقراطية، وحصر الشروط في ضرورة الإصلاح الديني، وقيام المشروعية على الجماعة، وتوحد مرحلتي الصبر والتمكن، وتديين السياسة لا تسييس الدين، والتماثل لا التمايز، والانتقال من الاستشارة إلى الديمقراطية لا سيما في جانبها الإجرائي، والانتخاب لا البيعة، وتقديم المصلحة القطعية على النص الظني، وعدم حصر الجهاد في بعده الديني، وضرورة الالتفات إلى القوة السلسة، والتخلي عن أوهام الحتميات التاريخية.

في تناوله لوضع الطرق الصوفية بين التحديث والثقافة التقليدية انطلق الباحث من تعريف محدد للتحديث وتفاعلاته وكونه مساراً عالمياً تنازعه الخصوصيات المحلية، ثم تناول البنى الاجتماعية التقليدية مثل القبيلة والطريقة الصوفية وأشباههما، وخط التحديث في خطاب المتصوفة وممارساتهم، وقارن هذا بمسار التحديث لدى الأزهر الشريف.

الصوفية المصرية

وضع المؤلف الطرق الصوفية في العالم العربي والإسلامي في مقارنة مع الصوفية المصرية عبر تناول دور ثقافة التصوف وحركته في تحقيق شروط الإنجاز السياسي والاقتصادي، لا سيما في مجالي التنمية والجهاد ضد الاستعمار. وأرفق على غلاف كتابه شهادات عدد من الباحثين والمفكرين العرب والأجانب، إذ وصف جاسون براونللي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة تكساس الأميركية الكتاب بأنه «إضافة متميزة في علم السياسة، لأنه يسد نقصاً نجم عن تجاهل نسبي لأدوار التنظيمات والحركات الإسلامية الدعوية والروحية، وأنه عمل رائد أضاء جوانب مظلمة عن الروابط العميقة والقوية بين الطرق الصوفية والسلطات المصرية المتعاقبة، واستطاع عبر بناء نظري ومسح ميداني دقيق أن يقدم إسهاماً حيوياً في الأدبيات السياسية عموماً، لا سيما تلك التي تهتم بأيديولوجيات الحركات الإسلامية».

وأكد براونللي أن قراءة الكتاب تبقى «ضرورية للدارسين المعنيين بالحركات الدينية، وبتطور المجتمع المصري الديمقراطي». أما المفكر المصري السيد يس فاعتبر أن الكتاب إسهام بارز في إطار المحاولات الرامية إلى رسم خارطة معرفية للحركات الإسلامية، ذلك في ظل اهتمام الدوائر السياسية والثقافية بمختلف أنماط الهويات الدينية، وقال إن المؤلف يقدم تحليلاً دقيقاً لجذور الطرق الصوفية وتنظيماتها وممارساتها السياسية، ومدى استيعابها ثقافة الديمقراطية والتحديث، مبيناً أن ما يزيد من قيمة الكتاب تضمنه دراسة ميدانية، لهذا فهو «يشكل إضافة معرفية مهمة للمكتبة العربية».

وأكد عالم الاجتماع الفرنسي آلان روسيون أنه وجد في الكتاب ما أفاده في دراسته المجتمع المصري، قائلاً: «الكتاب قربني أكثر من فهم تيار ديني لم يدرس، كما ينبغي من الباحثين في علمي السياسة والاجتماع وهو الطرق الصوفية، وجعلني ازداد اقتناعاً بأن الإصلاح السياسي في العالم العربي برمته يجب أن يترافق مع الإصلاح الديني».

بدوره ذكر عالم الاجتماع المصري علي فهمي: «مع خبرة في دراسات الدين الشعبي تكاد تناهز نصف قرن انتهى، بقدر فرض من الموضوعية والدقة المنهجية، أن هذه الدراسة هي الأكثر تميزاً بين مثيلاتها في مصر، وأن هذا التميز أوضح في الجوانب النظرية بالغة الثراء».

أما فوليا أتاكان، أستاذة العلوم السياسية في جامعة يلدز في تركيا فأوضحت: «يتعامل هذا الكتاب مع قضية حيوية بالنسبة إلى مصر، ويقدم تحليلاً مهما للعلاقة بين الطرق الصوفية والسياسة، وهو كتاب نافذ البصيرة وملهم».