كشف الاستجواب الأخير المُقدَّم من النائب مسلم البراك إلى وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد حالة الضياع، وغياب الأولويات، وتراجع الحصافة السياسية إلى درجة تشعرنا بالقلق على مستقبل البلاد.

Ad

فالمسألة لم تعُد تأييداً أو معارضة للاستجواب بحد ذاته، أو مناقشة محاوره، أو أن تكون مؤيداً للوزير أو مؤيداً للنائب المُستجوِب، فقد أديا دوريهما بالتزام، وأنهيا استجواباً تاريخياً، كما أن المسألة لم تعُد أين يقف هذا النائب أو ذاك من طرح الثقة حجباً أو منحاً، فالاستجواب حق أكيد راسخ كما هي عملية طرح الثقة تحكمهما اللوائح والنظم.

لكن قلقنا يأتي من تداعيات الاستجواب، وما يجري خارج أطره، ويأتي من طبيعة ونهج التعامل معه، وعقلية الاصطفافات الفئوية البغيضة، تأييداً أو رفضاً، والتي تتحول بموجبها ممارسة دستورية مستحقة، لا تتعدى مساءلة لوزير، إلى أزمة شاملة تتجاوز بشموليتها الاستجواب ومحاوره، فتنتقل إلى ما يشبه حالة احتراب كريهة، يتم فيها تحويل وقائع على الأرض إلى أحكام مسبقة، ومحاكمة لنوايا هذا ومحاسبة لضمير ذاك، على أرضية قد تجرّ البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه.

إن استمرار هذا النهج يخرجنا من دائرة الممارسة السياسية القائمة على الحجة والمنطق، والحقيقة والإثباتات والأدلة، إلى دائرة الافتراضات والتخوين والتشكيك والتفكيك والتركيب لصورة خارج المنطق، إلى حالة من التفتيت الاجتماعي وتدمير العملية السياسية برمَّتها، ومن ثم استبدالها بحالة اصطفافات لا علاقة لها بالاستقرار ولا التنمية ولا الإنجاز.

ولسنا هنا في حاجة إلى التذكير بخطورة وانعكاس هذه الحالة المرضية على صعود النماذج الانتهازية، وقفزها من الصفوف الخلفية إلى الصفوف الأمامية من حيث التأثير والنفوذ، ورغبة الأطراف المعنية في استرضائها ومساومتها على المواقف، وما يخلقه ذلك من بيئة فاسدة يتكاثر فيها المفسدون، ويستمرئون فيها تجاوز القانون وتتضخم فيها المحسوبية أكثر مما هي متضخمة، وبالتالي فإنّ وضعاً كهذا لن يؤدي إلا إلى مزيد من الضياع وتقويض أي إمكان لترشيد القرار، بل واستشراء فساد كارثي سيأتي على الأخضر واليابس في طول البلاد وعرضها.

لقد كشف الاستجواب الأخير حالة الوهن والهزال التي يعانيها نظامنا السياسي، وابتعدت المسألة عن مجرد إجراء دستوري مستحق، إلى ما هو أخطر من ذلك وإلى ما هو أكثر فتكاً من مجرد سؤال مغلظ، وهو الضرب في عضد اللحمة الاجتماعية، وهو ما يدعونا إلى مناشدة العقلاء في مجتمعنا للتنادي، والتعامل بجدية أكبر مع تداعيات الاستجواب، فنحن موعودون باستجوابات قادمة قريباً، وأشد ما نخشاه أن يتم التعامل معها بذات المنطق، وذات العقلية التدميرية للذات وللوطن برمته، فمن يعلق الجرس؟

الجريدة