لا يأبه الجالسون بالغريب، لقد تركتُ حياتي هناك بين الأحجار، وها أنا الآن كمَنْ يصطادُ أضواء الغروب. هل كان ينبغي أن تمضي كلُّ تلك السنوات كي أكتشفَ أنني صيحةٌ عائدة من الموت؟

Ad

من عزلةٍ أخفّ من ريشةِ طائرٍ يحمل إليَّ رائحة الندم والظلال. نظرتي الشاردة تنسجُ فخاً من ماضيّ البعيد، وكلُّ كلامٍ أقولُه يرفعُ مصيري العالي كأنه قوسٌ مكسورٌ على سُلّم. مطرٌ خفيفٌ على النافذة. وجهٌ مؤطرٌ بسحابةٍ سوداء، هكذا يهبط أميرُ العالم السفلي وفي يدهِ أيقونة تتأرجحُ مثل قلادةٍ من النحاس. وأقولُ لن يهدأَ البالُ.

لنْ تهدأَ الغابة، الحقيقة تمرّ كالمنجل أمام عينيّ. من مدينةٍ إلى أخرى عبر بقاع العالم أخوضُ في أنهارٍ خاليةٍ من الصداقات، أستعينُ بالخوف، بالتعاويذ، بسحر الأيام الخوالي، وأعرف أن السهم لن يكفّ عن الانطلاق في أي لحظة. قلبي ديرُ ملاكٍ وخطوة أولى فوق عشب الحديقة تكفي، يا ربُ أكلما نظرتُ إلى نافذةٍ لا أرى غير يدٍ بيضاءَ في النهر لا الأبُ ولا الأمُّ ولا سريرٌ يقول لي: نمْ تحت شمس العافية. الخسارةُ أكيدة في ما ملكتُ وما ملكتُ منزلاً ولا بصيرة الآلهة.

على الأرجح أنني كائن مفقود، تحت نجمةٍ خلفَ ضوءِ ستارةٍ ما.

الندم ثيابُ مَنْ أحببتُ وأغصاني لم تزل بيضاء.

لهذا أرفعُ يدي لأكتب: البراري ارم ذات العماد وثماري العالية. لا يأبهُ الجالسون بالغريب.

الأرصفة مليئة بالفراشات هذه الليلة، وعلٌ جريحٌ دمهُ على الركبةِ قرب ينبوع.

أمشي وأنا أسمعُ صوتاً كنسمةٍ تحط على اليد يقول لي: لا الحياة ولا مرضعة الأسلاف. اذهبْ إلى هناك، إلى تلك الغابة، دليلُك شعلةٌ في عين النمر، اذهبْ ومُتْ وحيداً خلف قبةٍ مطمورةٍ في الضباب.