يواجه الجميع تقريباً مشكلة التأخّر عن أحد المواعيد. بالنسبة إلى كثيرين، إنها مشكلة يومية! فهم يبذلون أقصى جهدهم لتفادي ذلك لكن لا شيء ينفع معهم! هم آخر من يصل إلى المواعيد دائماً. لماذا يحصل ذلك معهم وكيف يمكن مواجهة الأمر؟ في ما يلي آراء الخبراء.تروي كريمة،20 عاماً، أنها تتأخر دائماً على حصّة المسرح في الجامعة: «تقع كلّيتي على بُعد 15دقيقة من منزلي، لكني أواجه دائماً هلعاً حقيقياً قبل الخروج بقليل: أتساءل عن مكان حذائي، أفكّر أنني لم أحفظ دوري كما يجب، أقوم بواجبي المدرسي في اللحظة الأخيرة، أو أختار زيّاً مناسباً للدور الذي سأؤديه في المشهد المسرحيّ... على الرغم من ذلك كلّه، أنا طالبة مجتهدة في هذه الحصّة، حتى أني أميل إلى المثالية! تحضيراً لمسرحيّة آخر السنة، حرصتُ على أدقّ التفاصيل، من ماكياج وملابس وحفظ النص على أكمل وجه، لكني لم أحضر على الوقت!». في آخر لحظةبدورها، لا تصل منى، 35 عاماً، على أيّ موعد في الوقت المحدّد: «أتأخر دائماً من 10 إلى15 دقيقة! أتساءل أحياناً إذا كان الأمر متعلّقاً بساعتي البيولوجيّة أو أنها طريقة لاواعية للانتفاض على العادات الاجتماعية. اعتدتُ على ضبط ساعتي، وساعة الحائط، وهاتفي الخلوي، لأستيقظ قبل عشر دقائق، لكنّ ذلك لا يغيّر الكثير! حتى أنني تشاجرتُ مع محيطي العائلي والمهني بسبب تأخّري عن المواعيد، وقد اعتاد البعض على مشكلتي هذه».تشرح منى،27 عاماً، مشكلتها قائلةً إنها تحاول الاستيقاظ في وقت أبكر صباحاً، لكنّ ذلك لا ينفع: «سرعان ما أجد نفسي متأخرة على موعد عملي. لا مفرّ من القيام بأمور صغيرة قبل الخروج من المنزل، علماً أنه يمكنني فعلها مساءً لدى عودتي من العمل، الأمر أقوى منّي».تتعدد الدوافع التي تقود إلى تأخر الشخص عن مواعيده بشكل دائم، سواء لحضور موعد مهمّ أو في أي موقف آخر. هل ينبع ذلك من حاجة إلى التصرّف بمثالية؟ هل هي محاولة للانتفاض على عادات المجتمع؟ هل هو خوف من الوصول قبل الموعد لتفادي «تضييع» الوقت؟ في الواقع، يرى الخبراء أن أسباباً كثيرة قد تُفسّر هذا التأخر المتكرر.يلتهي البعض بفعل نشاط معيّن قبل ساعة الانطلاق. قد يستجيب الأشخاص الذين لا يجرؤون على قول كلمة «لا» لطلب أحد الجيران في اللحظة الأخيرة، فلا يترددون في تقديم خدماتهم ولو على حساب وقتهم، ما يؤخرّهم عن مواعيدهم لا محالة. قد يفكّر آخرون في فعل أمر غير منجَز قبل الانطلاق: مثلاً، إذا لم تكن الشقّة مرتّبة كما يجب، يشعرون بضرورة إنهاء هذا العمل قبل الخروج من المنزل لأنهم في العمق يسعون إلى المثالية. لا يصل آخرون على الوقت لأنهم يحبّون في لاوعيهم لفت الانتباه. وفقاً للخبراء، من يصل متأخراً يلقى انتقاد الآخرين، سلبياً أو إيجابياً. فيبادرونه مثلاً بعبارات مثل «أخيراً وصلت! كنا بانتظارك!» بالتالي، يركّز المحيط اهتمامه على هذا الشخص، وهو اهتمام ما كان ليحصل عليه لو لم يتأخّر.قد يعود التأخّر عن المواعيد أيضاً إلى سوء تقدير الوقت: من يسيء تقدير الوقت يظنّ مثلاً أنه قادر على الوصول إلى المكان المقصود خلال نصف ساعة، في حين يتطلّب ذلك45 دقيقة. فقد يشعر بأنه قادر هذه المرّة على قطع المسافة بأقل وقت ممكن، على رغم استحالة ذلك في الواقع.قلّة ثقة بالنفسوفقاً لعلماء النفس، قد يدلّ التأخر الدائم عن المواعيد على قلّة ثقة بالنفس، لأنّ الشخص المتأخّر لا يُعتبر ضمن فئة الأشخاص الذين يتمتّعون بدقّة مواعيدهم، وبالتالي لا مجال لمقارنته معهم مباشرةً! هذا ما يميّزه عن الآخر ويبعده عن الظروف التي يعيشها، ما يساعده على عدم التقيّد بالمعايير السائدة. تمرّدقد يدلّ التأخر المتكرر عن المواعيد على عدم قبول المعايير السائدة في العالم: إنه شكل من أشكال رفض الواقع وطريقة للتعبير عن أنّ الوقت لا يتحكّم بحياة الفرد المعنيّ. بالتالي، يرفض هذا الشخص التقيّد بروتين الوقت الزمني. بالنسبة إليه، يعني الرضوخ للوقت الاستسلام للبيئة التي يعيش فيها. في الواقع، يرفض هذا النوع من الأشخاص التقيد بوقت الموعد، ما يدلّ على شكل من أشكال التمرّد على العالم الخارجي لكن مع تقديم الأعذار لتجنّب مواجهة العواقب والمخاطرة بالأمور المهمّة. باختصار، إنه تمرّد محسوب وآمن!لكن تبقى المخاطر موجودة نتيجة التأخر عن المواعيد: من جهة، لا تتقبّل فئة من الناس أيّ تأخير من جانب الأشخاص الذين ستقابلهم؛ ومن جهة أخرى، قد يفكّر أيّ صديق يضطرّ إلى انتظار شخص مقرّب منه بشكل متكرر أنّ هذا الأخير لا يهتمّ بأمره. أخيراً، قد تؤدي هذه المشكلة إلى تراجع المواعيد الاجتماعية! قد ينخفض عدد المواعيد التي يحصل عليها أيّ شخص معروف بمشكلة التأخر.الحلّ المناسبلا يكمن الحلّ في اعتماد طرق «عجائبيّة» أو اتّخاذ قرارات صائبة. العامل الأهمّ هو التنبّه إلى التصرّفات والآليات المعتمدة. في الواقع، لا بدّ من تحديد المخاطر الصغيرة التي قد يواجهها الفرد للتخفيف من حدّة المشكلة. إذا قررتَ مثلاً خدمة جارك، عليك أن تفكّر في تلك اللحظة الفاصلة أنّ هذا الموقف قد يؤدي إلى تأخرك عن موعدك لأنك لن تتمكن مجدداً من قول كلمة «لا». يمكن تفادي ذلك عبر إخباره بضرورة الانصراف حالاً للوصول إلى موعدك في الوقت المناسب. ما إن ينجح الفرد في الحدّ من الأضرار ويتعرّف على العادات التي تسبب له المشاكل، يمكن معالجة المشكلة. أضبطوا ساعاتكم!رأي علماء النفس• كيف يمكن للشخص أن يصبح دقيقاً في مواعيده؟ لا بدّ من تنظيم الوقت. لفعل ذلك، يجب البدء بوضع برنامج زمنيّ محدد يشمل جميع المواعيد المقبلة. مثلاً، يجب أن يكون كلّ شيء جاهزاً قبل الانطلاق إلى موعد عشاء عند الساعة الثامنة والنصف. كذلك ينبغي مراجعة ما ينتظرك خلال النهار مسبقاً لمعرفة ما إذا كان يحتوي على مواعيد مهمّة.• لماذا يجب «احتساب» الوقت؟لا مفرّ من احتساب الوقت أحياناً، أي تحديد الوقت اللازم للقيام بالنشاطات وتخصيص مدّة إضافية لها. في الواقع، يجب تفادي تحديد مواعيد متقاربة خلال اليوم الواحد لتجنّب أيّ تأخير. من المفيد أيضاً تدوين نشاطات يوم الغد منذ المساء الذي يسبقه.• هل يمكن التخطيط لمواعيد على المدى الطويل؟يمكن تحضير موجز حول المواعيد المرتقبة طوال أسبوع كامل مثلاً. لذلك من المهمّ احتساب الوقت الذي تتطلّبه هذه النشاطات وتدوينها على مفكّرة، ما يسمح بتقدير الوقت بشكل أشمل وتحديد المواعيد بشكل منتظم.• هل يؤدي التقيّد بالمواعيد إلى حلّ مشاكل الثقة بالنفس؟نعم، من خلال تنظيم الوقت، لا تعود تصرّفاتنا تنمّ عن لامبالاة وإهمال في ما يتعلّق بأوقات المواعيد، بل نصبح من الفئة التي تصل على الوقت وتحترم مواعيدها. كذلك يساهم تنظيم الوقت هذا في تعزيز الثقة بالنفس. بالتالي، قد يسيطر الفرد على بعض مشاكله وينجح في تخطّيها بنفسه.
توابل
أتأخّر على مواعيدي دائماً!
30-07-2009