في ديار العرب الكل يغش على الكل: الحكومات تغش الشركات، والشركات تغش المواطنين، والمواطنون يغشون زوجاتهم، والزوجات يغششن أولادهن، والأولاد يغشون في الامتحانات، لذلك فإن إنقاذ أي بلد عربي لا يبدأ من جمعية حقوق الإنسان- كما يظن النشطاء الحالمون- بل من جمعية حماية المستهلك.

Ad

ومن يتأمل الحرب الضروس التي تدور رحاها هذه الأيام بين قناة «الجزيرة الرياضية» و»النايل سات» حول تخريب بث مباريات كأس العالم فقد يتعاطف مع هذا الفريق أو ذاك دون أن ينتبه كثيرا إلى أن الطرفين يغشان المشاهدين.

فقناة «الجزيرة» باعت عددا من المباريات للقنوات المحلية المصرية بمبلغ يفوق 120 مليون جنيه مصري، ثم قررت أن تشفر جميع المباريات ما عدا المباريات التي باعتها للقنوات المصرية، حيث قررت عرضها بالمجان على قنواتها المفتوحة انتقاما من أخطاء البث في اليوم الأول، فانتفضت «النايل سات»، وهي تقول: «ما بدهاش بقى» وقررت الانتقام من «قناة الجزيرة» عبر سياسة تخريب البث المباشر الذي يصل إلى المشاهدين عبر قمرها، وهكذا تم الإخلال بعقد البث انتقاما من الإخلال بعقد حقوق النقل... والضحية بالطبع المشاهد العربي.

دعكم من هؤلاء جمعيا، ولنعد بالقصة من بدايتها... فقناة «الجزيرة الرياضية» اشترت حقوق النقل أساسا من شبكة «art»، وهذه لم تكن تريد أن تبيع «الجزيرة» العقد، فوضعت رقما خياليا يتضمن حقوق النقل لكل المناسبات الرياضية العالمية والمحلية وأسعار استديوهاتها من روما إلى تبوك، بالإضافة إلى سعر الدباسات ومنافض السجائر وفناجين القهوة ثم «ضربت المجموع في خمسة» وقدمت الرقم الفلكي لـ»الجزيرة»، وهي تقول: «هذا السعر بعد التخفيض... وطالع علينا بالخسارة»، فوافقت «الجزيرة» على الفور لأنها كانت تريد الحقوق بأي ثمن... وكما يقول المثل: «اللي عنده ريال وحيره... يشتري حمام ويطيره».

ولأن الكثير من المشتركين البؤساء صدقوا عروض «ART» التي تقول إن من يشترك مبكرا يدفع أقل، فقد اشتركوا بالسعر «المخفض!»، لمشاهدة مباريات كأس العالم، وكذلك لمشاهدة المنافسات الرياضية المحلية «خصوصا في دول الخليج»، وحين جاء وقت المونديال اكتشفوا أن البطاقات التي يحملونها لن تقدم لهم إلا مباريات الدرجة الثانية في الدوري الأفغاني! فلم يكن أمامهم من خيار سوى دفع أموال جديدة لشراء بطاقات «الجزيرة الرياضية» ومن لا يعجبه الأمر لا يحق له حتى أن يخبط رأسه بالجدار...لأن جدران اليوم مشفرة.

كل هذا غير مهم، فالمؤلم في الأمر أن وزارات الإعلام العربية التي كانت تداهم محال بيع البطاقات المقلدة وتجند موظفيها للدفاع عن حقوق هذه الفضائيات لم تبد أي حماسة للدفاع عن حقوق المشاهدين، فبعد الغيرة الشديدة للدفاع عن حقوق الملكية الفكرية وإزعاج عباد الله بشعار «ادفع لتشاهد»... اتضح أن المشاهد العربي لن يتابع إبداعات البرازيل والأرجنتين وإيطاليا قبل أن يحدد موقفه من معركة الغشاشين.

وهكذا بدأ هذا المونديال بالأخطاء الفادحة لحراس المرمى، وسينتهي دون أن تتوقف الأخطاء المتعمدة لحراس القانون في ديار العرب.

* كاتب سعودي