يستعد الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة لإصدار كتاب جديد بعنوان «نظريات في الإبداع الأدبي المعاصر»، يضمّ مجموعة من الدراسات حول الأعمال الشعرية والأدبية خلال السنوات الأربع الماضية يتناولها الشاعر من منظور نقدي، وهذا ما يثير التساؤل حول قدرته على الجمع بين كتابة الشعر ونقده.

أبو سنة أحد أبرز شعراء جيل الستينيات، الذين أصروا على الاستقلالية وعدم الانقياد وراء التيارات المختلفة، استطاع على مدى ما يقرب من 50 عاماً تقديم مسيرة شعرية متميزة. معه الحوار التالي.

Ad

في كتاباتك يبرز حسّك النقدي، كيف جمعت بين الشعر والنقد؟

الجمع بين الشعر والنقد ليس ميسوراً للجميع، فكما أن كتابة الشعر تحتاج إلى موهبة، كذلك النقد. لي دراسات سابقة عبر أكثر من أربع سنوات مضت وهي موضوع كتابي الجديد الذي اتخذت له عنوان «نظريات في الإبداع الأدبي المعاصر».

يرى البعض أن النقد أفسد الأذواق وتحوّل إلى سكين لذبح القصائد، ما تعليقك؟

هذا ليس صحيحاً، للنقد الأدبي دور أساسي في تشكيل رؤية شعراء كثيرين وفي بناء التيارات الحديثة، خصوصاً أن رواده كانوا يتمتعون بمصداقية عالية وثقافة موسوعية وذوق مرهف، أمثال لويس عوض، محمد مندور، عبد القادر لطفي، وشكري عياد، ومهدوا الطريق لتأسيس رؤية شعرية تفاعلت مع العصر، وثمة عدد كبير من نقاد الخمسينيات والستينيات كانوا يتحلّون بالموضوعية والنزاهة والصدق والإيمان برسالة الشعر للارتقاء بالثقافة العربية والروح الوطنية.

هل اختلفت رؤيتك الشعرية منذ ديوانك الأول «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» حتى ديوانك الأخير «تعالي إلى نزهة في الربيع»؟

هذه سيرة طويلة بدأت بصدور ديواني الأول «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» عام 1965، واتسمت المرحلة الأولى بالنهج الواقعي في مسار العملية الإبداعية. فقد كفل لي هذا الديوان لحظة الاعتراف بشعريتي من كبار النقاد، ومنذ ذلك الوقت ظل القلق يساورني بشأن المرحلة التالية، فكيف لي أن أحافظ على فكرة الدهشة والتجديد الفني واقتناص الرؤى الجديدة والإبقاء على حالة الدهشة الشعرية؟ ولم ينته هذا القلق حتى الآن، إذ كنت في مرحلة الشباب أشعر بأن كل قصيدة أكتبها هي القصيدة الأخيرة، وأنني لا أملك الوسائل لاصطياد قصيدة أخرى ولم أكن أملك سوى تقديم القرابين للشعر من خلال القراءة الدائمة والمعايشة المستمرة والاقتحام الجريء للتجربة والاصطدام أحيانًا بالواقع والإيمان المطلق بالحرية. هذه هي المبادئ التي فرضتها على حياتي وكانت سببًا أساسيًّا في أن الشعر ظل يضرب لي مواعيد عدة للقاء القصيدة، ومع كل ديوان تحققت خطوة جديدة، وهذا ما جعلني أطمئن إلى مسيرتي.

فسَّر النقاد تجربتك الشعرية بأنها مستمدة من رافدين: قومي وإنساني؟

روافد التجربة الشعرية العميقة تنتمي إلى عناصر كثيرة في مقدمها الواقع الذي نشأت من خلاله، وهو مركب ومعقد يجمع بين القديم والجديد وصورة القرية والمدينة والعالم على المدى الأوسع. الواقع هو الرافد الأول، أما الثاني فهو الثقافة التي نهلت منها وهي الثقافة التقليدية منذ دراستي في الأزهر الشريف. بعد ذلك زادت تطلعاتي إلى المشاركة في حركة الحداثة. أما الرافد الثالث فيتمثّل في التكوين الذاتي الذي كان سبب قصائد كثيرة الطبيعية ملهمتي فيها وتمثل مساحة واسعة من تجربتي الشعرية، وهذه الطبيعية لا تقف منعزلة عن تجربتي الواقعية.

متى كانت مرحلة انطلاقك الشعري؟

كانت مرحلة التفتّح الشعري في نهاية الخمسينيات. آنذاك كانت تظلّل الواقع مقولات وأفكار ورؤى قوميّة، ومشاريع العدالة الاجتماعية والتطلّع إلى المجتمع الحديث، والخروج من العصر التقليدي إلى الحداثة، إضافة إلى التفاعل مع الواقع الإنساني على مستوى الفكر والإبداع. كان الأبرز آنذاك المشروع القومي الذي يعتمد على الوحدة العربية والعدالة الاجتماعية، أما اجتماعيًّا فالأهم كان تحديث وسائل هذا المجتمع من خلال التعليم والثقافة والإعلام.

كيف تنظر إلى الشعر؟

كان اختياري للشعر في مطلع حياتي قائماً على إتقان اللغة الشعرية والولع بالجمال والاندماج بالطبيعة والتعاطف مع الإنسان في بؤسه وشقائه واحتياجه، وأصبح هذا الاختيار على المدى البعيد قدريًّا، بمعنى أن الشعر أصبح حياتي.

ماذا عن حركة النقد الحديثة؟

انحرفت حركة النقد الأدبي إلى مسارات كثيرة ابتداء من السبعينيات، إذ واجهت الحياة الثقافية نوعًا من التمزق ومواجهة الأجيال لبعضها وفقدان سلطة النقد. ذلك كله أنتج لنا خارطة ثقافية يغلب عليها العبث. كذلك أدّت أجهزة الإعلام دورًا واضحًا في قلب الموازين وتوزيع الأضواء والظلال بطريقة تعتمد على المصالح الشخصية والمجاملات. ولا شك في أن السلطة السياسية أيضًا، في مراحل مختلفة، كانت لها اختيارات في تدعيم أركانها من خلال الرضا والسخط والتقريب والإبعاد والمنح والمنع. أمّا الحركة النقدية فعانت في الفترة الأخيرة من غياب فكرة القيمة لتسود لغة المصالح والمجاملات، فافتقدنا صحوة الضمير الأدبي وأصبحنا أمام واقع ثقافي يحمل تشوهات الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي كافة. لكني أؤمن بأن الصدق مع النفس هو الذي يعصم حركة الإبداع من الانحدار عن هاوية الزيف والضعف.

الشاعر فاروق شوشة رفيق دربك وأهديته ديوانك الأول، ماذا عن علاقتك به الآن؟

أعتز بصداقته، لأنني منذ لقائي الأول به في الإذاعة في عام 1959، وجدت مساحة مشتركة بيننا من الرؤية والسلوك، وظلّت الخطى تتقارب حتى جمعتنا وكأننا على موعد في رسالة واحدة. فشوشة سجّل لي مختارات من شعري في برنامجه «صوت الشاعر» الذي كان يذاع في البرنامج الثقافي في الستينيات، ما أتاح لي فرصة الاستماع إلى صوتي وأنا أقرأ شعري في هذا البرنامج. كذلك نحن شاعران نهلنا من المحيط الثقافي نفسه والتقينا لفترة طويلة في عملنا الإذاعي، وفي المؤسسات واللجان المشتركة. إنه أندر شخصيات الواقع المعاصر.

نبذة

شاعر مصري صدرت له دواوين عدة من بينها: «قلبي وغازلة الثوب الأزرق»، «البحر موعدنا»، «الصراخ في الآبار القديمة»، «رقصات نيلية»، «سرايا النهار البعيد»، «موسيقى الأحلام»، و{تعالي إلى نزهة في الربيع»...

حصل على جوائز كثيرة من بينها: الزمالة الشرفية من جامعة أيوا الأميركية (1980)، جائزة الدولة التشجيعية في الشعر (1989)، جائزة أحسن ديوان مصري (1993)، وجائزة جامعة شتيرن في ألمانيا عن كتاب «العرب والأدب المهاجر» (2008).