يبدو {حد سامع حاجة} طموحاً، إذ سعى أصحابه إلى تقديم فيلم يتجاوز الفكاهات التقليدية، فمزجوا بين الكوميديا والفانتازيا والدراما النفسية، هذا القالب أو الاتجاه بالذات هو ما حقّق من خلاله فنان الكوميديا أحمد حلمي مرحلة أكثر تميزاً في السينما التي يقدّمها، تحديداً في فيلميه الأخيرين: {آسف على الإزعاج} و{ألف مبروك}، وإن جاء الأول أكثر نضجاً ويعدّ نموذجاً يستحق التأمّل في هذا المجال.أخرج سامح عبد العزيز {حد سامع حاجة} وكتبه أحمد عبد الله وأدى بطولته رامز جلال، وهو ثالث تجربة له كبطل بعد فيلميه {أحلام الفتى الطائش} و{شبه منحرف}، إلا أنه أكثر جدية من سابقيه، وإن شابته مشاكل بدأت في السيناريو وأدت إلى ارتباك وتشويش في بناء الفيلم، ومن ثم في تلقّي المشاهدين له وقراءته! السبب الرئيس هو أن {حد سامع حاجة} مقتبس عن الفيلم الأجنبي {أغرب من الخيال} (2006) إخراج مارك فورستر وتأليف زاك هيلم وبطولة داستن هوفمان وويل فاريل.ليست المشكلة في كون الفيلم مقتبساً، أو حتى في عدم ذكر ذلك في عناوينه، وهي آفة تسيطر على الأفلام المصرية المعاصرة، إنما في عدم إتقان الاقتباس، إذ لم يتمكن الكاتب من استيعاب الفيلم الأجنبي وجوهره، ثم إعادة كتابته بتمصير موفّق وبروح جديدة.المثال الأنجح الذي يمكن أن يعدّ نموذجاً في هذا المجال هو فيلم {آسف على الإزعاج} الذي أعاد كاتبه أيمن بهجت قمر ترتيبه وصياغته مجدداً، بروح مصرية وإبداعية صادقة، فنجح في التعبير والتأثير!على خلاف ذلك أتت تجربة أحمد حلمي في فيلمه {ألف مبروك}، من ثم تجربة {حد سامع حاجة}!يدخلنا {حدّ سامع حاجة} في متاهات غير مبررة، بدءاً من الشاب سامي (رامز جلال) الذي يسمع مراراً وتكراراً صوتاً يحدثه عن شيء كان أو سيكون.. إنه صوت لشخصية نراها (يؤديها محيي إسماعيل)، ونكتشف أنه مؤلف يكتب رواية، أبطالها سامي والذين يظهرون من حوله طوال الوقت إلى آخر الفيلم. كذلك نكتشف قرب نهاية الفيلم أن سامي يشبه ابن المؤلف الذي فقده ويحاول استعادته من خلال نصه، لا ندري لماذا فكّر في القضاء عليه في ذلك النص ثم لماذا عاد عن تفكيره، مفضلاً النهايات السعيدة، لعل هذا جزء من الخلط أو الارتباك الذي يتسم به الفيلم عموماً.لكن قبل النهاية السعيدة، يلجأ البطل إلى طبيب نفسي (ماجد كدواني)، الذي يتحوّل تدريجاً إلى ما يقارب نموذج صديق البطل في الأفلام المصرية المعتادة، وينصحه بأن ينشغل بمشاعره تجاه إحدى الفتيات ويقنعه بأن قصته معها قد تنتشله من وحدته التي تتسبب بما يسمع من كلمات.هكذا يتحوّل الطبيب النفسي إلى مستشار عاطفي أيضاً، ويعترف له سامي بإعجابه بلاميتا إبنة رئيسه، فيشجعه الطبيب على لفت نظرها بأي طريقة، وهو ما يقوم به بالفعل، فيتحول الإعجاب إلى قصة حبّ كبيرة متبادلة، وكأن الحب هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يقضي على أي مشاكل أو اضطرابات أو أزمات نفسية من أي نوع.يؤكد سامح عبد العزيز موهبته كمخرج ومقدرته في التعبير عن أفكاره بالصورة السينمائية، لكن يظل فيلماه السابقان {كباريه} و{الفرح} الأنضج بالنسبة إليه وإلى المؤلف أحمد عبد الله أيضاً، وقد ساهم تصوير جلال زكي ومونتاج عمرو عاصم وديكور إسلام يوسف في تحقيق إيقاع بصري متناغم. ما زالت أفلام رامز جلال ومسلسلاته تشير إلى إمكانات ممثل موهوب له أسلوبه في الأداء التلقائي بطريقة ظريفة تقترب من المتفرّج وفي تقديم أدوار الكوميديا أو أدوار الشاب المرح المنطلق (بما يذكرنا بحسن يوسف أو أحمد رمزي في أفلام الستينيات الماضية لكن من دون تقليد)، إلا أن رامز لم يجد بعد الدور الذي يقدّمه للجمهور بالشكل الصحيح.شكّل {حد سامع حاجة} عودة للممثل المخضرم محيي إسماعيل، الذي يتمتع بأداء وحضور خاصّين وأعطى الدور ثقلاً.لكن الفيلم نفسه، في مجمله، يحتاج إلى مزيد من النضج، وجاء متعجلاً ومبتسراً.
توابل
حد سامع حاجة... محاولة على طريق سينما أحمد حلمي!
18-12-2009